فقد رجع من قبله شيخه أبو الحسن الأشعري في كتابه (الإبانة) وفي (رسالة إلى أهل الثغر) وغيرهما. ورجع من بعده تلميذه حجة الإسلام أبو حامد الغزالي، وذلك في كتابه: (إلجام العوام عن علم الكلام).
ولكن موقف شيخه إمام الحرمين كان أصرح وأوضح، فإن الغزالي اعتبر علم الكلام شأنَ الخواص، وجمهرةُ العلماء من الفقهاء والمفسرين والمحدثين والمتكلمين، وغيرهم يعتبرون من العوام في هذا الأمر عند الغزالي.
أما الخواص، فقد يوجد في كل عصر منهم واحد، أو اثنان.
ورجع بعد ذلك: الفخر الرازي (ت 606 هـ) الذي كان من أكبر المحامين المدافعين عن التأويل، وصنف فيه أكثر من كتاب، مثل (تأسيس التقديس) وغيره.
ثم قال في الطور الأخير من حياته العلمية:
" لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن: أقرأ في الإثبات: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: 5]، (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) [فاطر: 10] وأقرأ في النفي: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى: 11]، ومن جرب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي "! (?)
وجاء في (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة: 2/ 82 ما نصه: قال ابن الصلاح: أخبرني القطب الطوغاني مرتين: أنه سمع فخر الدين الرازي يقول: ياليتني لم أشتغل بعلم الكلام! وبكى (?).
قال الإمام الشوكاني في (إرشاد الفحول):
" وهؤلاء الثلاثة، أعني: الجويني والغزالي والرازي، هم الذين وسعوا دائرة التأويل، وطولوا ذيوله، وقد رجعوا آخراً إلى مذهب السلف، كما عرفت، فلله الحمد، كما هو أهله " (?).