وهو ما وضحه من بعد، تلميذه حجة الإسلام الغزالي، حين بين أن علم الكلام: علم مُحْدَث أريد به حراسة عقائد العوام من تشويش المبتدعة.

وقال في (الإحياء): (اعلم أن حاصل ما يشتمل عليه علم الكلام من الأدلة التي ينتفع بها، فالقرآن والأخبار (أي الأحاديث) مشتملة عليه. وما خرج عنهما، فهو إما مجادلة مذمومة، وهي من البدع ... وإما مشاغبة بالتعلق بمناقضات الفِرق لها، وتطويلٌ بنقل المقالات التي أكثرها ترهات وهذيانات، تزدريها الطباع، وتمجها الأسماع، وبعضها خوض فيما لايتعلق بالدين، ولم يكن شيء منه مألوفاً في العصر الأول، وكان الخوض فيه بالكلية من البدع، ولكن تغير الآن حكمُه، إذ حدثت البدعة الصارفة عن مقتضى القرآن والسنة، ونبتت جماعة لفقوا لها شُبَهاً، ورتبوا فيها كلاماً مؤلفاً، فصار ذلك المحذور بحكم الضرورة مأذوناً فيه، بل صار من فروض الكفايات. وهو القدر الذي يقابل به المبتدع، إذا قصد الدعوة إلى البدعة، وذلك إلى حد محدود) (?).

فلا غرو أن يروى عن إمام الحرمين ما رُوي من البراءة من (علم الكلام) والعودة إلى طريقة القرآن (?).

وقد اجتهد العلامة تاج الدين السبكي في طبقاته الكبرى: أن ينحو بهذا الكلام الجلي الواضح من إمام الحرمين، منحى آخر غيرَ ما يتبادر منه، دفاعاً منه عن (علم الكلام) الموروث، ووجه كلمات هذا الإمام العظيم الشجاع المخلص، إلى معانٍ متكلفة لا ينشرح لها الصدر.

وتحامل السبكي على شيخه الإمام الذهبي، تحاملاً لا يقبل من مثله في مثله؛ فالواقع أني ما رأيت مؤرخاً منصفاً مثلَ الذهبي، حتى مع أعلام المعتزلة وأمثالهم.

على أن إمام الحرمين ليس هو وحده الذي انتهى إلى رفض التأويل، وترجيح مذهب السلف، وتفويض حقائق هذه الألفاظ ومعانيها إلى الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015