صراحة وجلاء. وهو ما ذكره في (الرسالة النظامية في الأركان الإسلامية) (?).
قال إمام الحرمين:
" اختلفت مسالك العلماء في الظواهر التي وردت في الكتاب والسنة، وامتنع على أهل الحق فحواها وإجراؤها على موجب ما يبرزه أفهام أرباب اللسان فيها.
فرأى بعضهم تأويلَها، والتزامَ ذلك في القرآنِ وما يصح من السنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراءِ الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى.
والذي نرتضيه رأياً، وندين الله به عقداً: اتباعُ سلف الأمة، فالأولى الاتباع، وتركُ الابتداع. والدليل السمعي القاطع في ذلك: أن إجماع الأمة حجةٌ متبعة، وهو مستند معظم الشريعة، وقد درج صحب الرسول صلى الله عليه وسلم على ترك التعرض لمعانيها ودرك ما فيها، وهم صفوةُ الإسلام المستقلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهداً في ضبط قواعد الملة، والتواصي بحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغاً أو محتوماً؛ لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة.
فإذا تصرَّم عصرهم وعصرُ التابعين على الإِضراب عن التأويل؛ كان ذلك قاطعاً بأنه الوجه المتبع، فحق على ذي الدين أن يعتقد تنزه الباري عن صفات المحْدَثين، ولا يخوضَ في تأويل المشكلات، ويكلَ معناها إلى الرب. وعند إمام القراء وسيدهم الوقف على قوله تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) [آل عمران: 7]، من العزائم، ثم الابتداء بقوله: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) [آل عمران: 7]، ومما استحسن من إمام دار الهجرة مالك بن أنس أنه سئل عن قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: 5]، فقال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والسؤال عنه بدعة.