و (اللمع) و (النظامية) وغيرها، وأخذ عنه هذا العلم كثيرون من تلاميذه النوابغ، وكان يتكلف في تأويله والدفاع عن مذهبه الأشعري إلى حد الاعتساف أحياناً، الذي لايرضاه المنصفون. وهذا شأن البشر.
وقد ذكر مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي في (سير الأعلام) ما جرى بينه وبين أبي القاسم بن بَرهان من مناظرة في (أفعال العباد). ومن المعروف لدى المتمرسين بمسائل الكلام: أن مذهب الأشعري في أفعال العباد من أضعف المذاهب، حتى ضرب به المثل في الخفاء، فقيل: أخفى من كسب الأشعري. ومع هذا كان الجويني في أول أمره يجادل عنه ويرد على خصومه، ويتأول صريح القرآن، وهو ما نقله الذهبي عن العلامة الحنبلي ابن عقيل في (فنونه) قال: قال عميد المُلك: قدم أبو المعالي، فكلم أبا القاسم بن بَرهان في العباد: هل لهم أفعال؟ فقال أبو المعالي: إن وجدت آية تقتضي ذا، فالحجة لك. فتلا:
(وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ) [المؤمنون: 63] ومد بها صوته، وكرر: (هم لها عاملون) [المؤمنون: 63] وقوله تعالى: (لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [التوبة: 42] أي كانوا مستطيعين. فأخذ أبو المعالي يستروح إلى التأويل. فقال (أي ابن بَرهان): " والله إنك بارد. تتأول صريحَ كلام الله، لتصحح بتأويلك كلامَ الأشعري!! وأكَلَه ابن برهان (أي أعياه) بالحجة، فبهت " (?).
هكذا كان أبو المعالي إمام الحرمين، دهراً من حياته، ولا غرو أن اعتبره بعض الباحثين المؤسس الثاني للمذهب الأشعري، وكتب أستاذنا الشيخ علي جبر في كلية أصول الدين رسالة الأستاذية له عن (إمام الحرمين باني الأشعرية الحديثة) وإن لم نرها مطبوعة. ولكن الله شرح صدره للحق، فوجدناه في أواخر حياته قد غير نهجه، ورجع عن طريق التأويل -طريق الخلف- إلى طريق السلف في ترك الخوض، والانكفاف عن التأويل، كما أثبت أن للإنسان قدرة مؤثرة في أفعاله بإقدار الله تعالى وتمكينه، وليست مستقلة عن القدرة الإلهية. ولم يستنكف عن إعلان ذلك بكل