فرع:
29 - اختلف أئمتنا في أنه هل يجب استعمال الماء الطهور حالةَ الدَّباغ (?)؟: فقال بعضهم: يجب؛ فإن الدَّبغ إزالةُ عينٍ نجسةٍ، كما قررنا ذلك في صورة الدِباغ، فيتعيّن الماء في تلك الإزالة؛ اعتباراً بكل إزالة.
وقال المحققون: لا يجب استعمال الماءِ حالةَ الدَّبغ؛ فإن الدَّبغ وإن كان يزيل فضلات، فالجلدُ لا يطهر بزوالها، بل طهارة الجلد بسبب أنه كان متعرّضاً للتغير، وقد خرج بسبب زوال الفضلات عن قبول التغيّر؛ فكان ذلك فيه بمثابة استحالة الخمر خلاًّ؛ إذ لو كان ذلك إزالةً، لحكمنا بطهارة جِرم الجلد قبل انفصال الفضلات عنه.
فإن حكمنا بأنه لا يجب استعمال الماء في الدَّبغ، فلا كلام.
وإن قلنا: إنه يجب، فلم يستعمله الدَّابغ؛ فالجلد نجس العين كما كان.
وكان شيخي يقول: " إنْ طلب تحصيلَ طهارته، فلا بد من ردّه إلى المدبغ، وإعادة دبغه ".
والسبب فيه أن الفضلات انتزعت من داخل الجلد، وكنا على هذا الوجه نؤثر إيصال ماءٍ طَهورٍ. إلى مَنافِذ الداخل. فإن لم يفعل، فحكم النجاسة لا يزول عن الباطن، ثم الماء المجرد لا يصل إلى الباطن حتى يصحبه شيء حِرِّيفٌ حادٌّ يحتدّ الماء به، ويرقّ الحرّيف بالماء، فيصلان. وإذا فرض ذلك، [كان] (?) صورة دِباغٍ [ثانٍ] (?) فهذا معنى قول شيخي: لا بد من ردّ الجلد إلى المدبغ.
30 - وأنا أقول: إذا حدث نزعُ الفضلات بالأشياء الحادّة، فلا يبعد أن يكتفي بنقع الجلد في ماء طَهور؛ فإنه إذا فَعل ذلك وصل الماء إلى الباطن، ولكن لا يتأتى قَلع الرطوبات ابتداء بمجرّد الماء، ود انقلعت الآن بما تقدم من غير ماءٍ، فلم يبق إلا تعبّدٌ في وصول الماءِ، وهذا يحصل بما ذكرناه من النقع، والعلم عند الله تبارك وتعالى.