وألحقه آخرون بالاستحالةِ من حيثُ إن الجلدَ يستحيلُ عن فَجاجته وتعرُّضه للعَفن بالدبغ - إلى النظافة، ولين العريكة.

وهو على الحقيقة بَيْن الإزالة، والاستحالة؛ فإن في الإهاب قبل الدبغ رطوباتٍ فِجّةً، وفضلاتٍ لزجةً [وهي] (?) مخامرةٌ [لجِرم] (?) الجلد، والفسادُ يتسرعّ إلى تلك الفضلاتِ، ثم يَفسد بفسادها الجلدُ. والغرضُ من الدّباغ انتزاع تلك الفضلات من ظاهر الجلد، وباطنه، بالأشياء الحادة النافذة فيها، كالشثّ، وقِرْف القَرْف المقشر (?)، وقُشورِ الرُّمّان، والعَفص (?)، والملحِ وغيرِها. فإذا زالت بقي جِرُم الجلدِ طيّبَ الرائحة غيرَ قابل للعَفن، ليّن العريكة، لا يعود فسادُه عند النَّقْع في الماء، فلم يكن الدِّباغ كزالة النجاسة عن شيءٍ طاهر الجوهر، ولم يكن كالاستحالة المعلومة. فإن الاستحالة إنما هي تغيّر صفة المستحيل، لا زوالُ عينٍ عنه، كالخمر إذا زالت شدّتُها واستعقب زوالُها صفةً أخرى، قيل: استحالت؛ فالدباغ من حيثُ إنه فصلُ عينٍ من الجلد يشبه إزالةَ النجاسة، ومن حيثُ إنه يفيد انقلابَ الجلد من النجاسة إلى الطهارة يشبه الإحالة. فلما تردّد الدباغ كذلك، جرى القول في تفصيله متردِّداً.

فنقول أولاً: لا بدّ من إزالة الفضلات، ولا يتأتّى قلعُها إلا باستعمال الأشياء الحادّة، ولا يكفي [عقدُ] (?) الفضلات، وتجميدُها. فلو شُمّس الجلدُ، وتُرِّب، فالفضلات باقية، ولكنّها جامدة. وآية ذلك أن الجلدْ لو نُقع في الماء بعد ذلك، عاد إلى فساده؛ لأن تلك الفضلات باقية، ولكنّها تعقّدت بالتجفيف، وقد عادت سيّالة بالنقع في الماءِ (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015