فقال: كلُّ ما يكون طاهراً حيّاً، فإذا مات عاد جلدهُ بالدِّباغ طاهراً، وكل ما يكون نجساً حيّاً؛ فالدِّباغ لا يطفر جلدَه، ثم ثبت عنده نجاسةُ عينِ الكلب من نجاسةِ لعابِه.
فهذا مأخذُ مذهبِ الشافعي فيما يقبل الدِّباغ وفيما لا يقبل.
فرع:
27 - جلدُ الآدمي يخرّج أولاً على طهارة جُثّة الميت من الآدميين، فظاهر النص أن جُثة الميتِ من الآدميين طاهرةُ، وفيه تخريج، وسيأتي ذلك.
فإن حكمنا بطهارةِ الجُثة، فالجلدُ طاهرٌ في نفسه، ولكن يَحرُم استعمالُه لما فيه من الامتهانِ، والإذلال.
وقد قيل: لو أُبين جزءٌ من الآدميّ؛ فهو نجس لانقطاعه عن حرمة الجملة، وإن كنّا نحكم بطهارة جُثة الميت. وهذا غلطٌ، والوجه اعتبار الجزءِ المبان بالجثة بعد الموت.
وإن فَرّعنا على نجاسةِ جُثةِ الآدمي، وحكمنا بنجاسةِ جِلده على ذلك، فالدباغ يُطَهّرهُ على ظاهر المذهب؛ طردًا لما مهدّناه من اعتبار المدبوغ بالحي، والآدمي طاهرٌ في حياته.
وقيل: لا يطهرُ؛ لأن الدباغ محرَّم لما فيه من الامتهان، وقد تقرر أن طهارة المدبوغ مأخذها الرُّخَص، والرُّخص لا تُناط بالمعاصي. وهذا فاسد؛ فإن الدِّباغ لا يحرُم لعينه، وإنما يحرُم وقوعُ الامتهان على أي وجهٍ فُرض.
الفصل الثاني في حقيقة (?) الدباغ
28 - لابد من الاعتناء بفهم الغرض من الدّباغ؛ فإن العلم بحقيقة هذا الفصل مترتب عليه.
فأقول: لم يختلف علماؤنا في أن الإهاب قبل الدباغ نجسُ العين، ولذلك امتنع بيعُه، وليس كالثوب المتضمخ بالدم. ثم ألحق ملحِقون الدِّباغ في تفصيله بإزالة النجاسات عن مواردها.