وفي القائف صفات مرعية ليس هذا موضع ذكرها، وستأتي في كتاب الدعاوى، إن شاء الله تعالى.
6133 - وإذا تعذر الرجوع إلى القائف، وقد تقدم أنه لا تعلّق بيد الالتقاط، فلا وجه إلا التوقف إلى أن يبلغ الغلام فينتسب إلى أحدهما، فإذا بلغ، لم يكن انتسابه إلى أحدهما صادراً عن التشهي والتمني، ولكنا نقول له: راجع جبلَّتك، وانظر، فإن وجدت نفسك أَمْيل إلى أحدهما رقةً وشفقة، فانتسب إليه. ولا ينبغي أن يبني انتسابه على غنى أحدهما، ورغد المعيشة في جنابه، بل حقٌّ عليه أن يتبع الشفقة والرقة الجبلِّيّة في القرابة.
6134 - وهذا الذي نحن فيه يباين تخيير المولود بين الأبوين إذا تنازعا الحضانة من وجهين: أحدهما - أن الصبي كما (?) بلغ مبلغ التمييز خيرناه، ولا نكتفي بهذا السن في التخيير الراجع إلى النسب، والفرقُ أن التخيير في الحضانة ليس قولاً مُلزماً، فإن الصبي لو اختار في الحضانة أحدَ الأبوين، ثم بدا له، فاختار الثاني، اتّبعناه، وضممناه إلى الثاني. وانتسابه إلى أحدهما قول ملزم، والصبي ليس من أهل القول الملزم. فهذا أحد الوجهين في الفرق.
والوجه الثاني - أن الصبي المخيَّر لو اختار أحدَهما تشهِّياً، انبنى عليه الحكم ظاهراً وباطناًً، إلى أن يسأم ويؤثر الثاني، وكذلك لو مال إلى أغناهما، ورأى العيش معه أهنأ، فله أن يختاره (?)، وقد ذكرنا أنه لا يجوز التعويل في الانتساب إلى أحدهما إلا على الشفقة والرّقة التي تثيرها القرابة.
6135 - فلو بلغ وانتسب إلى أحدهما، ووجدنا قائفاً وقت انتسابه؛ فإن ألحقه بمن انتسب إليه، فلا كلام، وإن ألحقه بالثاني، فإلحاق القائف هو المتبع؛ فإنه حكم صادرٌ ممن هو حاكم في الباب.
وكذلك لو انتسب إلى أحدهما، فأقام الثاني بينةً، فالبينة مقدّمة.