محل القولين الأولين في التهاتر والاستعمال. وحاصل القول في هذا يستدعي ذكرَ ثلاثِ صور: إحداها - أنه إذا ادعى كل واحد الشيءَ على وجهٍ يمكن تقدير صدق البينتين على ذلك الوجه على الجملة، وإن كانتا على التناقض في المعنى، وذلك بأن يقال: لعل شخصاً مالكاً أوصى لزيد بجميع هذه الدار، وسمع شهودُه ذلك، وأوصى ذلك الشخص بجميع الدار للمدعي الآخر، وسمع شهودُه ذلك، وأقام كل واحد منهما شهودَه. ولم يَشْعر شهودُ زيد بالوصية لعمرو، ولا شهودُ عمرو بالوصية لزيد، فيقرب تأويل الصدق على هذا الوجه. هذه صورة.
والصورة الثانية- أن تقع الشهادتان على وجه يبعد تأويل تصديقها، وهو مثل أن تشهد إحداهما لمقيمها بالشراء من شخص، وتشهد البينة الثانية لمقيمها بالشراء من ذلك الشخص مع اتحاد التاريخين، فتأويل الاجتماع على التصديق بعيد، وكذلك إذا أسند كلُّ بيّنةٍ الملكَ في البهيمة المدّعاة إلى وقوع نتاجها في ملك المدعي، والنتاج مما لا يتكرر (?)، فلا يحتمل صدق البينتين بوجه (?).
والصورة الثالثة - أن تقع البينتان على التكاذب قطعاً من غير خيال. وذلك بأن تشهد إحداهما على قتل شخص في وقت وحزّ رقبته، وتشهد الأخرى على بقائه حياً متصرفاً في ذلك الوقت وبعده، ويقرب من هذا النتاجُ.
والغرض أنهما إن تكاذبتا قطعاً، فمن أصحابنا من قطع بالتهاتر، ومنهم من أجرى القولين، وإن احتمل تأويلاً -كما ذكرناه في الوصية- فالقولان في التهاتر والاستعمال جاريان. فإن قيل: هلاّ قطع قاطعون بالاستعمال؟ قلنا: لم يقطع به أحد؛ لأن البينتين في ظاهرهما متناقضتان ولا تَرجُّح، وتعارضُ الظاهرين إذا لم يترجح أحدهما في الظهور والبعد عن التأويل كتعارض النصّين، والتأويل لا يتطرق إلى واحدة منهما.
هذا وجهٌ في التصرف.
والوجه الثاني - أن الأقوال الثلاثة في كيفية الاستعمال تجري حيث يمكن جريانها، وقد يتعذر جريان بعضها، فليكن إجراؤها على حسب التصور، وقد قال الأئمة: إن