المروءة يُشعر بترك المبالاةِ والخروجِ عن التماسك، فهو يُسيء الظنون بالتحفظ في الشهادة.
وفي هذا سرّ خفي، وهو أن من انحلّ كذلك، غلب على الظن انحلاله في المعاصي، وشهادةُ الزور منها، فرجع الرد في ترك المروءة إلى ظنٍّ غالب في ارتكاب المعصية، ومنه ما يغلّب على الظن خبلاً في العقل، فهذا هو المحذور ممن لا مروءة له.
ومما يجب مراعاته في الباب أمور العادات، وهي من أعظم الأقطاب، وذلك جارٍ في الذنوب وترك المروءات.
وبيانه أن اللعب بالنرد إن ثبت أنه ليس من الموبقات والكبائر، فإذا استعظمه أهل قُطر، فلا يُقدم عليه إلا جسور. وقد لا يستعظمه أهل ناحية، فيُعتبر في حق أهلها الإصرارُ.
وأمور العادات غالبة في المروءات، حتى لو قيل: جملتها مرتبطة بالعادات، لم يكن بعيداً. فمن لبس من الفقهاء القَباء في هذه الديار يعد خارماً للمروءة، وقد يعتاد الفقهاء ذلك في بعض بلاد الشرق، فلا يُنسبون إلى خرم المروءة. وقد يعتاد السوقة ببغداد التحنك (?) والتطلّس، وذلك من عوامّ الناس خرق للمروءة في بلادنا.
وألحق الأئمة بفصل المروءات الكلامَ في أصحاب الحرف الدنيّة كالدباغ، والكنّاس، والحجام، والمدلّك، فذكروا وجهين في قبول شهادتهم، وسبب ذلك أنهم على عادةٍ مستمرة فيما هم فيه، فلم يكونوا خارمين لعادةٍ من وجه، واختيارهم تلك الحرف يورث خرماً ودلالة على خسّة الجوهر، فكان هذا التردد مثاراً للخلاف.
وذكر بعض الأصحاب [الحاكة] (?) وعدوهم من أهل الحرف الدنية، قال القفال:
ليسوا عندي كذلك، فهم ينسجون غزلاً كما يخيط الخياط ثوباً منسوجاً، وهذا الذي ذكره حسن في فنه، ولكن يتطرق إلى الحاكة أمر نبهنا على تمهيده، وهو أن الناس