متفقون على الإزراء بهؤلاء، وقد يجرون -في التعريض بالمساب والكلم المؤذية- النسبة إلى الحياكة، فإذا اطرد هذا في الناس، فاختيارها مع ظهور الذم بها يشعر بالخسّة التي يُشعر بها جملةُ الحرف الدنية، فهذا مما يجب التنبه له.
ومما نذكره أن الرجل المعدودَ من المعتبرين والأماثل إذا كان تبذّل في نقل الماء والأطعمة إلى منزله، فإن كان ذلك عن ضِنّةٍ وشُح، فهو خسة خارمة للمروءة، وإن كان ذلك عن استكانة وتذلل، وإظهارِ خضوعٍ وتأسٍّ بالأولين، وتشوفٍ إلى شيم الأتقياء البُرآء من التكلف، فهذا لا يخرم المروءة، ولا يخفى مُدرك الفصل بين الحالتين. ويستبان ذلك في الرجلين، فليقع النظر في أمثال هذا ثم الحكم بحسبه.
وألحق الأئمة بما ذكرناه اشتغالَ المرء عن مهماته بما هو مباح في قبيله، حتى يعدّ معطلاً لما يُهم، مشتغلاً بما لا يعنيه، فصاحب هذه الحالة ملتحق بتارك المروءة، وإن لم يكنه؛ لأنه في معناه؛ من حيث ينتسب إلى ترك المبالاة والانسلال عن العادات، وهو يتهدف لتغليب الظن بالجرأة على الزور والكذب، أو للخبل في العقل، كما قدمناه.
ومن هذا وقع لأبي حنيفة (?) أن شهادة الفاسق بالغصب. والظلم إذا كان كبير النفس، آنفاً من الكذب -مقبولة؛ فإن فسقه لا يغلّب على القلب جرأته على الكذب، مع ما ظهر فيه من الأنفة، والاستنكاف عن كذبةٍ، وإن قَبِل دونها.
والشافعي لم يثق بفاسق، وجعل عصامَ الأمر الدينَ، وقد [يعرض] (?) للظلمة في حميّات النفوس والعصبية إذا لم يَزَعْهُم دينٌ- الكذبُ.
12124 - ومما نلحقه بهذه الأصول ردَّ شهادة المغفل، فالعدل الرضا إذا غلبت غفلاته، واعترته في حالاته الفترات، فالشافعي يرد شهادته مجملةً، ويقبلها مفصلة إذا وصف المكان والزمان، وتأنق في ذكر الأوصاف. وهذا خارج على القاعدة؛ لأنه إذا أجمل الشهادة، فقد يظن به غفلة، وإذا فضلها -وهو عدل لا يظن به اعتماد