والاحتيال على طيف الخيال أمر مهم عند أهل الغرام، يتوصل إليه بالمنام، وإنما تدعو الحاجة إليه عند طول الهجر وشدة الضجر، ومقاساة نار الملل والسهر، ومنهم من ذم النوم في قالب الاعتذار عن طيف الخيال، كأنه يقول: إن المنغصات في الدنيا لا تنفك عن الإنسان حتى في النوم، ألا ترى أن من يحلم بمحبوبه، أو شيء من مطلوبه، ينتبه فلا يرى إلا الأسف والقلق، وزيادة الحرق، وإن حلم أنه أحدث أو ضرب رأى ذلك في الصباح! ولما كان خيال المحبوب من التلذذات، لم يأت النوم به جريا على عوائد الزمان في الإتيان بغير الملائم للإنسان.
وقد مضت أمثلتها في فصل أقسام العشاق، فهذا الفصل كالذيل له يفيد بعض فوائد جديدة، منها أحكام الليل والنهار، وذم قصرهما عند الوصل، وطولهما عند الهجر والنفار، وتمني طول زمن الوصل والرضا، وقصر الهجر وقطعه أسرع من القضا، وما تشعب في ذلك بين العشاق، وذهبوا كل مذهب على اختلاف الأذواق، وإنما أكثروا من ذكر الليل دون غيره لأنه محل سكون الحواس، وهدوء الأنفاس، وخلو النفس بعد انطباق مسالك التشعبات عنها،