الأشخاص، ودقة الأنظار، وصحة التأدي إلى الأفكار، فلو لم يكن الحسن في نفس الأمر كذلك ما اختلف فيه العبارات، ولا كثرت فيه الاستعارات، ولا بالغ كل في تحصيله بجده، واعتقد التقصير عن حده، والخلاف إنما هو بالألفاظ، والمعنى المطلوب واحد، كما هو رأي أهل التحقيق من سائر الموارد، ومن ثم قال بعضهم:

عباراتنا شتى وحسنك واحد ... وكل إلى ذاك الجمال يشير

ولله در أستاذ عطر الوجود، فيض وجوده، واستمدت الكائنات من بحر فضله وجوده، حيث حقق هذا المعنى، وسبكه في أحسن مبنى، بقوله:

فكم بين حذاق الجدال تنازع ... وما بين عشاق الجمال تنازع

هذا هو الحسن العام، وقد اختلفت آراء الحذاق، وتشعبت مرادات العشاق، فمن ذاهب إلى الأفضل خزن الأسرار، وأن ذلك من فعل الأحرار. ومن قائل: إن إفشاءها يسر القلب، ويسري الكرب. ومن قائل بالتفصيل، وأن الإذاعة إلى المحبوب مطلوبة إذ هو الطبيب، وكتم العلة عنه تعذيب، وأما الإباحة لغيره فغير جائزة في مذهب المحبين، وفاعلها ممقوت ومن أكبر المذنبين، وهذا الطريق قد ادعى في "ديوان الصبابة" أنه الكاشف عن وجهه نقابه! ولا والله ما له فيه ذرة، ولم يكن ارتضع من هذا اللقح درة، بل أول من استنتج هذه الآراء المحررة، ودون هذه المذاهب المحبرة عمر بن الفارض رحمه الله، ثم لهج الناس بهذه الطرق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015