فتستجلب الأفكار الخفيات، فيما مضى وما هو آت، وقلة الاعتلاق، ومحل التسلية عن الأشواق، اللهم إلا شخصا قد ملك الحب قياده، فلا يلهيه شيء ولا ينسيه مراده. ثم اشتهر على ألسنتهم من لوم العذول، وسوء عقله الذي أوقعه في الفضول، وكيف أدخل نفسه بين الأحباب، حتى انتقم منه أهل الآداب، فوجهوا إليه سنان اللسان والأقلام، فامتحن طعنا بكل نثر ونظام، فقد قيل: ليس من العدل، كثرة العذل، ومن تكلم بما لا يعنيه، سمع ما لا يرضيه. ومن لم يمسك عما استغنى عنه ن الكلام، فهو أحق بالملام. ثم أحكام الزيارة، وما جاء في فضلها من اليراعة والعبارة، وتفنن العشاق في فضل زيارة الحبيب، وإيثار النفس على نفائس الطيب. قيل: كان الشافعي رحمه الله يكثر من زيارة أحمد، وكان أحمد يقل من زيارته هيبة له. فقيل للشافعي: إنك لتزوره أكثر وهو المحتاج إليك! فأنشد:

قالوا يزورك أحمد وتزوره ... قلت الفضائل لا تفارق منزله

إن زارني فبفضله أو زرته ... فلفضله فالفضل في الحالتين له

وجعل عمر بن الفارض الزيارة تفضلا من المحبوب، ومنة منه على المحب، فسبحان واهب الفضل لمن أحسن في خدمته، وقام بحقوق محبته، وطيب الحبيب، غاية لا يدركها اللبيب، وذلك قوله:

ولو عبقت في الشرق أنفاس طيبها ... وفي الغرب مزكوم لعاد له الشم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015