إذن فعصر البيهقي، والبيهقي نفسه، ليس من أهل الاستقلال بالحكم على الحديث عند ابن الصلاح، لعدم كمال الأهليّة.
ولا يُمكن أن يكون ابن الصلاح قد أخرج القرن الرابع إلى هذا الحدّ الممنوع أصحابُهُ عن الاستقلال بالحكم على الحديث؛ لأنّه صرّح بقبول ذلك الاستقلال من بعض أعيانه، كما سبق.
والبيهقي عَلَمٌ من أعلام النصف الأول من القرن الخامس.
والنتيجة: هي ما سبق أن ذكرناه، من أن القرن الخامس عند ابن الصلاح ليس من عصور علماء الاجتهاد المطلق في السنة!!
وبذلك يتّضح أن ذلك الحدّ الذي تبنّيتُه ليس حدًّا مبتدعاً، فهو قولٌ لإمام معتبر، والدليل يؤيّده، ولا أعرف لغيره دليلاً!!
وتالله إن الأمر ليس في حاجةٍ إلى استدلالٍ له بالسبق إليه من عالم، بعد ذلك التوضيح التاريخي!
ثم ألا يكفي اعتراف أهل القرن الخامس أنّهم ليسوا سوى متّبعين لعلماء السنّة الأول، مترجمين لمعاني مصطلحاتهم في علمهم، ومقرّرين لقواعده عندهم!!
وقد سبق كلامُ البيهقي في ذلك، الذي يقول في آخره: ((حتى ترك أوائلُ هذه الأمّة أواخرها - بحمد الله - على الواضحة، فمن سلك في كل نوع من أنواع العلوم سبيلهم، واقتدى بهم صار على بيّنةٍ من دينه)) (?) .
ويصرّح الخطيب بذلك في مقدّمة كتابه (الكفاية) (?) ، ويرثي علم الحديث في عصره في كتابه (الجامع) ، ويقول خلال ذلك عن علماء الحديث:
وقد كنّا نعدهم قليلا……فقد صاروا أقل من القليل (?)
أمّا بعد القرن الخامس: فالأمر فيه واضحٌ، والاستدلال له أكثر من أن يستوعبه هذا المقال المختصر. لكني أكتفي بنقل كلامٍ لعالمين كبيرين، أحدهما من القرن السادس، والثاني من القرن الثامن.