وقد كتبتُ بحثاً في ذلك، وهو في طوره للنشر. لكني أختصره هنا ذاكراً نتيجة ذلك البحث ودليلَه بإيجاز.
لقد ذهب ابن الصلاح إلى أن القرن الرابع فما قبله هو من عصور أهل الاجتهاد المطلق، وأمّا القرن الخامس فهو من العصور المتأخّرة التي نقصت أهليّة علمائه عن بلوغ تلك الرتبة.
والدليل على أن ابن الصلاح قد حدّد هذا التحديد أمران:
الأول: أن ابن الصلاح لمّا ذكر العلماءَ الذين يُعتمد على أحكامهم في التصحيح، ذكر علماء من القرن الثالث والرابع، فكان ممن ذكرهم من القرن الرابع: ابن حبان (ت 354هـ) ، والدارقطني (ت 385هـ) ، وجاء آخرهم الحاكم (ت 405هـ) (?) . ولم يذكر ابنُ الصلاح أحداً بعد الحاكم، بل كان ذِكْرُهُ للحاكم وانتقاده له بالتساهل في التصحيح يدل على أنه عنده يمثِّلُ آخر المرحلة التي هو منها، وكأنّه آخر الموجة التي تكسّرت على أسوار القرن الخامس الهجري!
الدليل الثاني: أنّ ابن الصلاح ربط هذا التقسيم وعَلّله بتحقُّقِ صفات، هي تدوين السنّة الذي أدّى إلى نقص الحفظ، ذلك التدوين الذي لم يُبْقِ لأسانيد المتأخرين إلى دواوين السنّة دوراً في إثبات النقل، وإنما هي رمزٌ وخصيصةٌ للأمّة المحمّديّة، يُحرص على أن لا تزول. ولذلك فإنه يُتساهَل مع رواة الأعصار المتأخّرة، اكتفاءً منهم بحفظ تلك الخصيصة الإسناديّة (?) .
وبذلك يعتبر ابنُ الصلاح أن العصر الذي تتحقق فيه تلك الصفات هو عصر عدم الاستقلال بالحكم على الحديث؛ لنقص أهليّة علمائه عن ذلك.
وبعد أن قرّر ابنُ الصلاح هذا الأمر، أورد كلاماً للبيهقي (ت458هـ) ، يذكر فيه البيهقي أن عصره قد تحقّقت فيه تلك الصفات (?) .