فلقد بدأ القرن الخامس وقد بَلَغَ طولُ الأسانيد وتشعُّبُها واختلافُ رواتها مبلغاً هائلاً، ووافق ذلك أن السنّة كُلّها قد دُوِّنت قبل القرن الخامس بقرنٍ من الزمان، ثمّ جاءت مصنّفات القرن الرابع لتقرّبَ قَصِيّ السنّة وتُيَسِّرَ عسيرها، وانضاف إلى ذلك أن أحكام أئمة النقد خلال القرن الرابع فما قبله كانت من الثراء والضخامة إلى درجة الإشعار بالكفاية والغَنَاء (?) فكيف لا يتناقص الحفظ للسنّة في هذا القرن ذلك النقصَ الكبير؟!! بعد وجود أسبابه على أكمل صورة!!
وقد علمنا أن حفظَ الصدور لأسانيد السنّة واختلافِ طرقها هو أوّل أدوات الاجتهاد المطلق في السنّة، فإذا لم يتحقق ذلك الحفظ الواسع عند أحدٍ من أهل العلم أو في أهل جيل منهم، لم يكن أولئك العلماء من أهل الاجتهاد المطلق فيه.
وبناءً على هذا التقرير فإن القرن الخامس ليس من عصور أهل الاجتهاد المطلق في السنة، هذا ما يُمليه علينا التاريخ العلمي للسنّة وعلومها، دون مزايدةٍ على مسألة إجلال أهل العلم ومعرفة أقدارهم.