ولقد كان يكفي لبيان أن القرن الرابع من عصور أهل الاصطلاح والنقد الحديثي أن أُسمّيَ أولئك النقادَ فقط! (?)
وبذلك نخلص إلى أنّ اكتمال تدوين السنة واكتمال منهجها النقدي في القرن الثالث، لا يعني انقضاءَ زمنِ أئمةِ الاجتهاد المطلق فيه، بل لقد استمرَّ ذلك خلال القرن الرابع. فقد بيّنّا ذلك واقعاً، واستدلالاً لسبب وقوعه.
المرحلة السابعة: وهي القرن الخامس فما بعده.
لقد انتهينا آنفاً إلى أن علوم السنة ابتدأت في التناقص مع نهاية القرن الثالث وبداية الرابع، وحيث إن هذا التناقص كان تدريجيًّا، وحيث إنه لم تزل هناك مَنَاحٍ لخدمة السنة لا يقوم بها إلا من اكتملت فيه آلات الاجتهاد المطلق فقد استمرّ هذا القرن مستمسكاً بخصائص القرن السابق له، ولذلك فقد كان من علماء القرن الرابع من كانوا أهلَ اجتهاد مطلق، وألّفوا في أصول العلم وفروعه مصنفاتٍ هي عمدةٌ في بابها لمن أراد أن يتعلّم علومَ السنة.
لكن ذلك التناقص في علم السنّة الذي ابتدأ من أول القرن الرابع متدرّجاً، لم يصل إلى بداية القرن الخامس حتى اتّضحت ملامحه، وقويت أسبابه، وانتشرت دائرةُ أثره، فلم يكد ينجو منه أحد. وهذه هي سُنّة العلوم، كما هو معلوم.