وقال ابن كثير، بعد أن ذكر عدداً من كتب العلل:» وقد جمع أزمّة ما ذكرناه كُلَّه الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك، وهو من أجلّ كتاب، بل أجلّ ما رأيناه وُضع في هذا الفنّ، لم يُسبق إلى مثله، وقد أعجز من يُريد أن يأتي بشكله، فرحمه الله وأكرمَ مثواه)) (?) .
والعجبُ الذي لا ينتهي أن الدارقطني أملى هذا الكتابَ حفظاً (?) !!!
ولذلك حُقّ للذهبي أن يقول، بعد ذكره إملاءَ الدارقطني لكتاب العلل:» فمن أراد أن يعرف قَدْرَ ذلك، فَلْيُطالعْ كتاب العلل للدارقطني، ليعرفَ كيف كان الحُفّاظ؟!)) (?) . وقال في موطن آخر: ((إن كان كتاب العلل الموجود قد أملاه الدارقطني من حفظه، كما دلّت عليه هذه الحكاية، فهذا أمرٌ عظيم، يُقضى به للدارقطني أنه أحفظ أهل الدنيا ... )) (?) .
فمن يستطيع بعد ذلك أن يدّعي أنّ الدارقطني ليس من أهل الاجتهاد المطلق في علوم الحديث؟!!
ومن يستطيع بعده أن يظن بأن القرن الرابع لم يكن من عصور أهل النقد والاصطلاح الحديثي، الذين هم أهل الفنّ مِمّن يُحْتكمُ إليهم؟!!
ولا أنسى في غمرة هذه الحُجَج الباهرة، أن أُذَكِّرَ بعالمٍ آخر، يكفي أن أُسمِّيَهُ وكتابَهُ، لِنَضُمَّهُ إلى أهل الاجتهاد المطلق في علم الحديث خلال القرن الرابع. ألا وهو أبو أحمد ابن عدي (ت 365) ، وكتابه (الكامل في ضعفاء المحدثين وعلل الحديث) .