وها هو ابن حبان يكون أحد من يؤلف في الصحيح، واضعاً نُصْبَ عينيه الحرصَ على زيادة عدد الصحيح (?) ، ومرتّباً لكتابه على طريقةٍ لا ينتفع بها إلا من حفظه (كما سبق) ، ليقاومَ (من جهة أخرى) ذلك الخلل في منهج التعلُّمِ في زمنه (?) .

بل هذا الحاكم، يَقْصدُ إلى هذا الغرض صراحةً، عندما يؤلف كتابه (المستدرك على الصحيحين) .

إذن فحاجة السنة إلى تمييز الصحيح، كانت سبباً آخر في استمرار اكتمالِ آلة الاجتهاد عند علماء القرن الرابع.

ومن هذه الحاجة إلى حاجة أخرى، لا تَقِلُّ في ضروريّتها عن تمييز الصحيح، ولا في كونها حقًّا موقوفاً على أهل الاجتهاد المطلق، وهي: بيان علل الأحاديث.

ولا أظنني في حاجةٍ إلى التأكيد على أن علم العلل هو كهانةُ علم الحديث عند الجُهّال أمثالنا، وأنَّى لي أن أحتاج إلى ذلك مع تقرير عامّة المتأخرين لذلك.

وإن علماً هذه مكانته، لاشك أن أوّل آلات الاجتهاد فيه هي الحفظ الواسع.

وبَعْدُ.. فهل هناك من شك أن أجلّ ما بلغنا من كتب العلل هو كتاب العلل للدارقطني (ت 385هـ) .

يقول الحُميدي (ت 488هـ) : ((ثلاثةُ كتبٍ من علوم الحديث يجب التّهمُّمُ بها: كتاب العلل، وأحسن كتابٍ وُضع فيه كتاب الدارقطني)) (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015