إذن فهناك أمرٌ ضروريٌّ يجبُ أن يقومَ به علماءُ القرن الرابع، وهو تكميلُ جهود السابقين في تجريد الحديث الصحيح، بعد كتابي البخاري ومسلم.

وكما سبق، فإن الحكم على الحديث بالصحّة (?) هو في الحقيقة قمّةُ الميزان النقدي، وخلاصةُ العلمِ به وبجميع فنونه. ولذلك فهو حقٌّ موقوفٌ على أهل الاجتهاد المطلق في الحديث، لا يُمكن لغيرهم أن يقتربوا من هذه الغاية.

وقد عرفنا أن حفظَ الصدور الحفظَ المحيطَ هو أوّل آلات الاجتهاد المطلق في السنّة، وما دام الاجتهادُ المطلق هو الذي سيتيحُ لعلماء القرن الرابع أن يقوموا بذلك الواجب الضروري، وهو تجريد الصحيح فلن يعجزوا عن بلوغ هذه الرتبة، ولن يتأخروا عن طلب تحصيلها، ليؤدُّوا الأمانةَ التي في أعناقهم للأمة من بعدهم.

وقد صرَّح ابنُ حبان بهذه الخدمة الضروريّة في زمنه، وبالداء الذي ظهر في بعض طلبة الحديث في زمنه ممّا لا يُمكنّهم من القيام بتلك الخدمة، ألا وهو عدمُ الحفظ والعلم (?) ، عندما قال عن طلبة الحديث: ((فمنهم طلبةُ الأخبار الذين يرحلون فيها إلى الأمصار، وأكثر هِمّتهم الكتابةُ والجمع، دون الحفظِ والعلمِ به وتمييزِ الصحيح من السقيم)) (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015