وهذا البيهقي، بعد أن ذكر أن السنة قد دُوّنت جميعُها قبل عصره، وأنه لا يُقبل من أحدٍ في زمنه ادّعاءُ رواية شفهيّة غير مدوّنة، وأن الأسانيد في زمنه لا يُقصد بها إثباتُ الخبر، وإنما يُقصد منها إبقاءُ خصيصة الإسناد لهذه الأمّة بعد هذا يقول: ((والذي ينبغي ذكره هاهنا: أن الحديث في الابتداء كانوا يأخذونه من لفظ المحدِّث حفظاً، ثم كتبه بعضهم احتياطاً، ثم قام بجمعه، ومعرفةِ رواته، والتمييز بين صحيحه وسقيمه جماعةٌ لم يَخْفَ عليهم إتقانُ المتقنين من رواته ولا خطأَ من أخطأ منهم في روايته، حتى لو زِيْدَ في حديثٍ حرفٌ، أو نُقِصَ منه شيءٌ، أو غُيِّرَ منه لفظٌ يُغَيِّرُ المعنى وقفوا عليه، وتَبَيَّنُوهُ، ودوّنوه في تواريخهم، حتى ترك أوائلُ هذه الأمةِ أوَاخرَها - بحمد الله - على الواضحة. فمن سلك في كل نوع من أنواع العلوم سبيلَهم، واقتدى بهم صار على بيّنةٍ من دينه)) (?) .
والنُّقول في هذا الباب كثيرة (?) ، ونحن في الحقيقة مستغنون عنها بشاهد الوجود، وبعلم أولئك العلماء الحاضرِ بَيْنَ أيدينا، عن الاستدلال له بكلام شاهدٍ معاصرٍ أو قريبٍ من المعاصر (كالذين سبقوا) .