إن هذا الرأي رأيٌ خطيرٌ، من شأنه أن يُدَمّر علوم السنة لو توسَّعَ نطاقُ تطبيقه فوق ما هو عليه، ويكفي من أثره السلبي ما قد وقع منه دلالةً على خطورته. إن هذا الرأي هو ما كنتُ أسميتُه في كتابي (المنهج المقترح) بفكرة تطوير المصطلحات، وبيّنتُ هناك خطرها وخطلها (?) . ولا أُريد هنا أن أتحدّث عن آثارها السلبيّة، فقد تحدثتُ عن ذلك في غير هذا الموطن، وتحدّث غيري أيضاً عن ذلك.

لكن الذي أريده هنا: أن أُبيّنَ ما إذا كان هناك عَصْرٌ ما هو الذي يُحْتكم إلى علمائه ويُرجعُ إليهم في معرفة علم الحديث: قواعدَ ومصطلحات. وما هي أسباب اختيار أولئك العلماء دون غيرهم؟ ولمَ لا يكونون في عصورٍ مختلفة غير محدودةٍ بحدّ؟

إن الجواب عن هذه الأسئلة في غاية الأهميّة لخُطّة الإصلاح تلك، وبغير الجواب عليها، أو بالجواب غير السديد فيها لن يُمكن لهذه الخطة أن تستمرّ وأن تصمد أمام المعترضين.

ولهذا فقد جاء هذا المقال ليحاول الإجابةَ عن تلك الأسئلة، لكي تتضح سبيلُ المصلحين!!

وأسأل الله تعالى العون والتوفيق، وإخلاص النيّة والقصد، وقبول صالح الأعمال.

المقالة الأولى:

التاريخ النظري لأطوار علوم الحديث

لا يختلف اثنان من أهل العلم، في أن نَقْل السنة خلال القرن الأول والثاني والثالث كان كافياً للحفاظ على السنة الحفاظ الكامل، بعدم تَفَلُّتِ شيءٍ منها عن الأُمّة، وعدم تَسَلُّلِ ما ليس منها إليها. وهذا أمرٌ بدهي عند من يعتقد أن السنّة قد بلغتنا كاملة؛ لأن اعتقاد وقوع خلل في منهج نَقْل السنة خلال القرن الأوّل مثلاً، سيؤدِّي إلى أن لا يجد القرنُ الثاني إلا ذلك الإرث المُخْتَلّ، إذ لا سبيل له في النقل إلا ما يؤدّيه إليه الناقلون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015