وحيث إن حركة الإصلاح هذه قائمةٌ عَلى محاولة الرجوع بعلوم السنة إلى نبعها الصافي، وإلى زمن ازدهارها، ((يومَ كان شأنُ الحديث فيما مضى عظيماً، عظيمةٌ جموعُ طلبته، رفيعةٌ مقاديرُ حُفّاظِه وحملته. وكانت علومه بحياتهم حيّة، وأفنان فنونه ببقائهم غضّة، ومغانيه بأهله آهِلةٌ)) (?) فقد فُوجئ الداعون إلى هذا الإصلاح، والمنادون إلى تلك العودة الحميدة، باعتراضٍ عليهم، رافضاً ذلك الإصلاح، معرضاً عن ذلك النداء، مُشَغّباً عليه.
ويقوم ذلك الاعتراضُ على أساس، يتبعُه اعتراضاتٌ تنبني عليه.
فكان على من أراد أن يدعمَ حركة الإصلاح تلك، أن يُجيب على ذلك الاعتراض، عسى أن يكون الجوابُ داعياً لرجوع المعترِض عن وقوفه في سبيل الإصلاح، بل لعله أن يكون أحدَ الساعين فيه، إن تبيّنَ له الحق. وذلك هو الظنّ بالجميع، إذ الجميعُ لا يقصدون إلا خدمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
إن ذلك الاعتراض قائمٌ على نَسْفِ مبدأ الإصلاح السابق ذكره، بنفي أحقّية عصرٍ ما في أن يكون علماؤه هُمْ المرجع في معرفة قواعد العلم وفي تقرير معاني مصطلحاته، وأن مَنْ بعدهم يحتكمون إليهم. فأصحاب هذا الاعتراض يرون أنّ علم الحديث لم يزل في تطوُّرٍ، وأنه قابلٌ للتطوير، وأنّ إلزامَ الناس بقواعد أو معاني مصطلحات عصرٍ ما تحكُّمٌ لا وَجْهَ له. ثمّ منهم من يتناقض ليقف بهذا التطوّر عند الحافظ ابن حجر مثلاً، ومنهم من يطّردُ في مقالته إلى اليوم، ويرى أن التطوير حقٌّ مُشَاعٌ إلى قيام الساعة.