ولهذه الجهود العظيمة في النقد، بات الاطمئنان على سلامة السنّة من تطرُّقِ الكذب إليها ثابتاً مستقرًّا في قلوب العلماء. حتى يأتي أحدُ الغيورين على السنة، فزعاً عليها من الأحاديث الموضوعة، إلى عبد الله بن المبارك، ليقول له في حيرةٍ ووجل: ((هذه الأحاديث المصنوعة؟!!!)) ، فيجيبه ابن المبارك ذلك الجواب المطمئن المسترخي، الذي يدل على عدم اكتراثٍ لذلك، قائلاً: ((يعيش لها الجهابذة)) (?) .
ولم يَنْجُ من التشدّد في النقد والجُرْأةِ على إنكار مواضع الشك كبارُ الحفّاظ، فضلاً عمّن دونهم. حتى كانوا يصيحون بالحافظ إذا تفرّد بحديث حتى يتركه، وهو صادق في روايته ضابطٌ!! (?) .
إنّه الاحتياط الذي لا يُغفل كُلَّ احتمالٍ للوهم والخطأ، وإن كان مستبعداً.
يقول عبد الرحمن بن مهدي: ((خصلتان لا يستقيم فيهما حُسْنُ الظنّ: الحُكْمُ والحديث)) (?) .
لقد انتهت هذه المرحلة، مؤذنةً ببداية أعظم عصور السنة، عصرِ الاكتمال والنضج النهائي.
المرحلة الخامسة: وهي القرن الهجري الثالث.