2 ـ وإذا سلّمنا بالمخالفة فليس كلّ متفرّد بالرواية شاذّا، فالشذوذ فقط مخالفة الثقة للأوثق، وحديث الثقة ليس ضعيفا ولكن من باب صحيح وأصحّ، كما يقول الإمام السيوطيّ (?) .
3 ـ ثمّ إنّ التفرّد إذا كان من ثقة لم يخالف أحدا فهو صحيح مقبول، وإذا كان من ضعيف يكون حديثه ضعيفا، ولا علاقة له في كلا الحالين بالشذوذ.
المنكر:
إنّ من أقدم من عرّف المنكر الحافظ أبا بكر أحمد بن هارون البرديجيّ [ت 301هـ] ، فقد عرّفه بقوله:» هو الحديث الذي ينفرد به الرجل، ولا يعرف متنه من غير روايته، لا من الوجه الذي رواه منه ولا من وجه آخر « (?) .
ونلاحظ في هذا التعريف إطلاقا لا يستقيم مع الدقّة المطلوبة في التعاريف: فإطلاق عبارة» الرجل «وعدم تحديد درجته من الثقة يجعل التعريف هلاميّا، ذلك أنّ:
ـ تفرّد الثقة برواية الحديث لا يقلّل من قيمته، فهو حديث صحيح.
ـ وتفرّد الضعيف به يحكم عليه بالضعف.
ـ فالعبرة في النكارة شأنها شأن الشذوذ إنّما هي في المخالفة، مع اعتبار درجة المخالف من الثقة فإذا خالف الثقة الأوثق كان شاذّا وإذا خالف الضعيف الثقة كان منكرا، وتعريف البرديجي خلا من هذا المعنى فأصبح لا يعبّر عن المراد. وهذه الهلاميّة وقع فيها الكثير من أهل الحديث حتى قال النوويّ:» وكذا أطلقه كثيرون «، وقال قبله ابن الصلاح:» وإطلاق الحكم على التفرّد بالردّ والنكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث «، ورأى في هذا رحمه الله بعدا عن الصواب فقال:» والصواب فيه التفصيل الذي تقدّم في الشاذّ «.
إلا أنّه في تفصيله خلط بين المنكر والشاذّ إذ يبدو أنّهما عنده» اسمان لمسمّى واحد «، وقد شاركه في هذا الخلط النوويّ لأنهما» سيّان « (?) عنده كذلك. فقد جعل ابن الصلاح المنكر قسمين، ومثّل للأوّل بقوله: