من أوضح التعريفات للشاذ في اصطلاح المحدّثين ما عرّفه به الإمام الشافعيّ رحمه الله [ت 204هـ] فقد قال:» ليس الشاذّ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره، إنّما الشاذّ أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس «. إلا أنّه بعد قرنين من الزمن تقريبا يحدث الحاكم النيسابوريّ [ت405هـ] تعريفا جديدا للشاذّ يبعد به عن معناه المتعارف عليه وهو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، ويجعله الحديث الذي ينفرد بروايته ثقة، وهذه عبارته رحمه الله:» هو الحديث الذي ينفرد به ثقة من الثقات، وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة «، وبذلك يصبح الشاذّ عنده يعني التفرّد. ثمّ يأتي بعده أبو يعلى الخليل بن عبد الله الخليليّ القزوينيّ [ت446هـ] ليزيد تعريف الشاذّ غموضا فيقول:» الذي عليه حفّاظ الحديث أنّ الشاذّ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذّ بذلك شيخ، ثقة كان أو غير ثقة، فما كان عن غير ثقة فمتروك وما كان عن ثقة يتوقّف فيه ولا يحتجّ به «، وقد شعر الشيخ ابن الصلاح بهذا التداخل في المصطلحات فأراد حسم الموقف ببيان ما هو واضح وما هو مشوب بالغموض فقال:» أمّا ما حكم الشافعيّ عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنّه شاذّ غير مقبول، وأمّا ما حكيناه عن غيره [أي الحاكم والخليليّ] فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط، وهو الصحيح عند أهل الحديث « (?) . إلا أنّ هذا الوضوح الذي اختاره ابن الصلاح في تعريف الشاذّ لم يلبث أن نقضه في خلاصة مبحثه لنوع» الشاذّ «حيث قال:» فخرج من ذلك أنّ الشاذّ المردود قسمان:
ـ أحدهما: الحديث الفرد المخالف.
ـ والثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرّد والشذوذ من النكارة والضعف « (?) .
وهذه الخلاصة نلاحظ فيها من الإيهام ما يدعو إلى التوقّف:
1 ـ فعبارة» الحديث الفرد «لا توجب المخالفة، طالما أنّه حديث فرد غريب.