ويُلاحَظُ على هذه المصنّفات: عدمُ دقّة الترتيب الموضوعي، وعدم تمييزهم فيها بين الصحيح والضعيف، وجمعُهم فيها بين المرفوع والموقوف والمقطوع؛ إذ كُلّها تحتاج في عصرهم إلى الجمع.
كما أنه يُلاحَظُ عليها: أنها ليست في ضخامة الكتب اللاحقة لها، وهذا كلّه أمرٌ طبيعي، فهي سمةٌ معروفة للمصنِّفين الأوائل والمصنّفات الأولى في كل فن.
لكن في آخر هذا الجيل ابتدأت تظهر بعض الموسوعات الحديثيّة، ممّا يشهد لسرعة البناء خلال هذا الجيل، وإلى المبادرة إلى إتمام الجهود لدى علماء السنة فيه. ولا أدلّ على ذلك من كتاب (المصنّف) لعبد الرزاق الصنعاني.
وفي آخر هذا الجيل ابتكر المحدّثون أسلوباً جديداً في التصنيف، لم يكن موجوداً في السابق.
لقد نظر المحدّثون إلى تلك المدوّنات والمجاميع والمصنفات، فوجدوا أنها شملت جميع أنواع المنقولات، من المرفوعات والموقوفات والمقطوعات. ولاشك أن قسم الأخبار المرفوعة هو أهمّ الأقسام، وأولاها بالجمع، وأحراها بالخوف عليه من التفلُّت. فبادروا إلى أسلوب في التصنيف لا يضمّ إلا المرفوعات، وهو التصنيف على طريقة المسانيد. وهو أسلوب في التصنيف يدل على أن ابتكاره لم يكن إلا لغرض الجمع خشيةَ الضياع، لأن أسلوب ترتيبه ليس فيه تيسيرُ التصنيف على الأبواب، وإن كان فيه وَجْهٌ ضعيف من التيسير، وهو الترتيب على أسماء الرواة من الصحابة.
قال بكر بن خلف: ((قال عبد الرحمن بن مهدي حين طلبوا المسند: ما أحسن هذا، إلا أني أخاف أن يحملهم هذا أن يكتبوا عن غير الثقات)) (?) .
ألا ترى إلى قوله (طلبوا) التي تدلّ على استنفارٍ عامّ نحو هذا المنحى من التصنيف، والذي كان من قوّة الرغبة فيه إلى درجة أن خشي ابنُ مهدي أن يقود إلى شيءٍ من الشَّرَه في الرواية عن غير الثقات.