ومظاهر هذه العناية كثيرةٌ جدًّا، لكن اللافت للنظر في ذلك هو نشوء التصنيف المبوّب في هذا الجيل. ففي حين ازدادت كتابة النسخ غير المبوّبة على ما كانت عليه في المرحلة السابقة، وانتشرت الكتابة في بابٍ واحد من أبواب العلم (كالطهارة، والصلاة، والمناسك (?) ، والفرائض (?) ، والتفسير (?) ، والزهد (?) ، والجهاد (?) ، والقدر (?) ... ونحوها) (?) فقد انضاف إلى ذلك نشوء أسلوب جديد، هو التصنيف المبوّب، ومن أوّل من قام بذلك الإمام مالك في كتابه الموطأ (?) ، ثم صنّف غيره، كجامع ابن وهب، وجامع معمر (وهما مطبوعان) ، وكجامع الثوري.
إن مثل هذا الترتيب يدل على ظهور الحاجةِ إليه، وإلى أن هاجس التفلّت الذي كان يشغل التابعين في تدوينهم ويُلْهِيهم عن الترتيب ابتدأ يخفت ويضعف، وأن بداية الشعور بأن التدوين أصبح أكثر استيعاباً للسنة من الرواية الشفهيّة أخذَ في النشوء في قلوب العلماء؛ ولذلك الْتَفَتُوا إلى التبويب، الذي الغرضُ منه التسهيل (?) ، وهي حاجةٌ ليست في ضرورة الحفظ من الضياع، ولذلك لم تكن لتبرز لولا ما سبق.