وقال الإمام أحمد في سياق انتقاده ليحيى بن عبد الحميد الحماني، الذي ادّعى أنه سمع من الإمام أحمد حديثاً مسنداً على باب ابن عُليّة: ((أي وقت التقينا على باب ابن علية؟ إنما كنا نتذاكر الفقه والأبواب، لم نكن تلك الأيام نتذاكر المسند)) (?) وابن علية توفي سنة (193هـ) ، فهذا يُبيّنُ أن العناية بالمسند إلى هذا العام أو قبله بقليل لم يكن ابتُدِئَ بالعناية به.

ويقول الحافظ ابن حجر في تأريخه للتدوين:» إلى أن رأى بعضُ الأئمة أن يفرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم خاصّة، وذلك على رأس المائتين. فصنّف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسنداً، وصنف مسدّد بن مسرهد البصري مسنداً، وصنف أسد بن موسى مسنداً، وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسنداً. ثمّ اقتفى الأئمةُ بعد ذلك أثرهم، فقلَّ إمامٌ من الحفاظِ إلا وصنّف حديثه على المسانيد، كالإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، وعثمان بن أبي شيبة، وغيرهم من النبلاء، ومنهم من صنّف على الأبواب والمسانيد معاً كأبي بكر بن أبي شيبة)) (?) .

وبهذا النشاط الهائل في الجمع والتدوين، تيسَّر للعلماء أن يواجهوا ذلك التشعّب الهائل للأسانيد، وأن يضبطوا اختلافَ الرواة في المتون والأسانيد، وهذا ما أعانهم على كمال النقد في هذه المرحلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015