إذا وضح هذا عرفنا طَرَفاً من منهج الإمام البخاري وغيره من المتقدّمين في الرواية عن المدلّسين، وعندئذ لا حاجةَ إلى الاعتذار عن صنيع البخاري وغيره في إيراد أحاديثَ للمدلّسين لاتوجد إلا معنعنةً بأنَّ قبولَ صنيعهم هذا ليس إلاّ إحساناً للظنّ بهم، وإنّما المسألة أعمقُ من ذلك. إنّها مسألةُ منهج تتضح معالمُه وتفاصيله لكلّ من تعمّق في ملاحظة تصرّفات هؤلاء الأئمة النقاد الكبار، والله أعلم.
بعد هذه الأمثلة التي تبيّن بوضوح وجوبَ ملاحظة الاختلاف بين مصطلحات المتقدّمين والمتأخرين، وتبيّن كذلك أنّ جزءاً من الخلل الذي نعيشه اليوم ناتج عن الغفلة عن هذا الأمر، نرى لزاماً أن نساهم مع إخواننا في تقديم بعض ما نراه علاجا لذلك.
أوّلا: وجوب الحسم في مسألة المنهج:
وهذا هو الجانب النظري: والمقصود به: تشجيع الدراسات الجادّة التي تهدف إلى إبراز قواعد هذا العلم بصورة جيدة ومنهجية واضحة في تحديد معالم هذا العلم وقواعده التي مضى عليها المتقدمون، وبيان ما حصل بعد ذلك من اجتهاد فيها أو إخلال بها أو تطوير لها.
إنّه من الضروري والمهم جدا اجتماعُ أهل الاختصاص بهذا العلم للتداول في منهجية تدريس هذه العلوم، والنقاشِ حول كثير من التساؤلات التي تسكن عقولَ الكثير من الباحثين في قواعد علوم الحديث وتلاحقهم، حيث إنّ الباحث في هذا المضمار يلحظ أموراً كثيرة تحتاج إلى نظر ودراسة متأنية عميقة، بعيدا عن سوء الظنّ وكيل التهم وغير ذلك.
ثانيا: مراعاة الطريقة المنهجية الصحيحة في تدريس هذا العلم:
فالمُلاَحظ أنّ كثيراً من الجامعات عندما تقرّر على الطلاب هذه المادّة، تقرّر معها كتاباً من كتب المصطلح وتحدّد للأستاذ قدراً من الساعات الزمنية يجب أن ينهيَه فيها، غيرَ ملاحظين صعوبةَ هذه المادّة وضرورةَ أن يكون تلقينها للطلاب على تؤدة وأناة وحذر، وإلاّ عاد هذا العلم شؤماً على صاحبه وأهله.