وأنا أتصور أنّ قواعد علوم الحديث مثلُ قواعد الرياضيات، ينطلق فيها الطالب من أبسط المعارف ويأخذ في ذلك القسطَ الوافرَ من الوقت ويتمّ مراجعتها وتدريبُ الطالب عليها والتذكير بها في كلّ مرحلة لاحقة، ومن هنا تترتب المعارف والقواعد وينطلق الطالب إلى الأصعب وقد هضم بصفة سليمة وصحيحة كلَّ المبادئ الأولى، وأُمِن عليه من الوقوع في الانحراف في فهم القواعد التالية أو إساءة استعمالها.
والذي يعين على هذا أن نتعرّف على الطريقة التي كانت تُغرس بها قواعدُ هذا العلم في نفوس الأبناء منذ نعومة أظافرهم، وهذا يحتاج إلى تلمّس أساليب المتقدّمين في تلقين هذا العلم وغرسه في نفوس طلاب العلم، وهذا الأمر يحتاج إلى حديث آخر طويل لعلّ أحدَ المختصين يتصدّى لوضع مفرداته وبيان منهج العلماء فيه.
وبناء على هذا، فإنّه ينبغي الاهتمامُ بما يأتي:
1 ـ وضعُ كتابٍ جديد يتضمّن ترتيباً جديداً لمباحث علوم الحديث وأنواعها ومراتبها، بطريقة منهجية، يُجمع فيها كلُّ نوع أو قاعدة مع ما يشاركها أو يوافقها أو يتداخل معها وغير ذلك.
2 ـ تبسيطُ هذه المادّة في مراحلها الأولى، من أجل أن يسهل على الطالب المبتدئ فهمُها وحفظُ قواعدها والإكثارُ من الأمثلة النظرية والعملية، حتى يتمكّن الطالبُ منها، ثمّ ينطلقَ ليبنيَ عليها القواعدَ الأخرى.
3 ـ الاهتمامُ بالحفظ وإعطاؤه حقّه في هذه العلوم، فإنّ كثيراً من تفاصيلها لا تدرك إلاّ بالحفظ، ويُراعى في الحفظ أن يكون مرتباً وموزّعاً بين عدّة أمور، حيث يُصرف جزءٌ من ذلك لحفظ الأحاديث بأسانيدها، تماما كما يُؤمر الولدُ بحفظ القرآن وهو لا يعقل حروفَه ولا معانيَه، فإنّ حفظَ الأسانيد يعوّد الطالبَ على أمرين: