ولو سلّمنا بهذا فإنّ تعريفا آخر للبزار يمكن أن يكون له مفهوم يخالف ما ذهب إليه ابن حجر من التفريق بين التدليس والإرسال الخفي، فقد قال البزار أيضا:» إنّ الشخص إذا روى عمن لم يدركه بلفظ موهم، فإنّ ذلك ليس بتدليس، على الصحيح المشهور)) (?) .
فإنّ هذا الكلام ـ بمفهومه ـ إن صحّ أن يكون له مفهوم ـ أنّ الشخص إذا روى عمن أدركه فإنّ ذلك يعتبر تدليسا، فيدخل فيه عندئذ صورتا التدليس الأولى والثانية.
وهذا المفهوم هو الصحيح لا لأنّه مفهوم، بل لأنّ منهج المتقدّمين وكثير من المتأخرين ـ قبل وبعد الحافظ ابن حجر ـ وألفاظهم كلّها تدلّ عليه.
ولذلك انتقد الحافظ العراقي تعريف البزار المذكور بأنّه تقييد للتدليس، وتضييق للصور التي يشملها بما يخالف المتعارف عليه عند المحدّثين.
وقال ـ بعد أن بيّن خطأ هذا الفهم ـ: ((وما ذكره المصنّف ـ يعني ابن الصلاح ـ في حدّ التدليس هو المشهور بين أهل الحديث، وإنّما ذكرت قول البزار وابن القطان كيلا يغترّ بهما من وقف عليهما، فيظنّ موافقة أهل الشأن لذلك)) (?) .
وليس المقامُ هنا مقامَ تفصيل لهذه المسألة، ولكن المقصود الإشارة العابرة التي تستدعي بعد ذلك الرجوع إلى كلام العلماء في كتبهم ودراسته (?) .