أمّا ما سمّاه ابن حجر بالمرسل الخفي، فقد ورد ذكره عند هؤلاء الأئمّة ولكنهم لا يعنون به أبدا هذا المعنى، وإنّما يريدون به كلّ انقطاع حصل في الإسناد وخَفِيَ بحيث لا يعرفه ولا يدركه إلاّ الحذاق الجهابذة المتمرسون في هذا الشأن، وهو الأمر الذي دعا ابنَ الصلاح وغيرَه إلى إفراده لبيان أهميته ولزوم الاهتمام به، لا على أنّه قسيم للتدليس أو نوع مستقلّ من أنواع علوم الحديث.
قال الحافظ العراقي في توضيح المراد بالمرسل الخفي: ((ليس المراد هنا بالإرسال ما سقط منه الصحابي، كما هو المشهور في حدّ المرسل، وإنّما المراد هنا مطلق الانقطاع، ثمّ الإرسال على نوعين: ظاهر وخفي. فالظاهر: هو أن يروي عمن لم يعاصره، بحيث لا يشتبه إرساله باتصاله على أهل الحديث.... والخفي هو أن يروي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه، أو عمن لقيه ولم يسمع منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، فهذا قد يخفى على كثير من أهل الحديث، لكونهما قد جمعهما عصر واحد، وهذا النوع أشبه بروايات المدلسين، وقد أفرده ابن الصلاح بالذكر عن نوع المرسل، فتبعته على ذلك)) (?) .
وما نقله ابن حجر عن البزار في تعريفه للتدليس يعانق المعنى المفهوم من تعريف الشافعي، حيث قال: ((أن يروي عمن قد سمع منه ما لم يسمع منه، من غير أن يذكر أنّه سمعه منه)) (?) . حيث فهم منه ابن حجر أن البزار يحصر معنى التدليس في هذه الصورة التي حصل فيها اللقاء بين الراوي المدلّس وشيخه الذي دلّس عنه.
وهذا يجرّنا إلى ملاحظة أخرى في هذا المقام، وهي أنّ بعض تعاريف العلماء أصبحت مثل النصوص الشرعية بحيث يمكن أن يكون لها منطوق ومفهوم، ومنها هذا التعريف، فمنطوقه هو المذكور، ومفهومه أن غير هذه الصورة المذكورة لا يسمّى تدليسا.