قال الشيخ محمد بن محمد أبو شهبة رحمه الله: ((إذا وجدنا بعض الأئمّة الكبار من أمثال البخاري ومسلم لم يتقيّد فيمن أخرج لهم في كتابه ببعض القواعد، فذلك لاعتبارات ظهرت لهم رجّحت جانبَ الصدق على الكذب والبراءةَ على التهمة. وإذا تعارض كلامُ الناقد وكلامُ صاحبي الصحيحين فيمن أخرج لهم الشيخان من أهل البدع، قُدّم كلامُهما واعتبارُهما للراوي على كلام غيرهما، لأنّهما أعرفُ بالرجال من غيرهما)) (?) .
8 ـ وبقيت أمور كثيرة، نختم بأمرين اثنين يتعلّقان بالحديث المدلّس:
الأوّل: في تعريف المدلّس.
والثاني: في القاعدة التي وضعها المتأخرون لقبول حديث المدلّس أو عدم قبوله.
فأمّا عن الأمر الأول: فقد ورد في عبارة الإمام الشافعي تعريف المدلّس بأنّه أن: ((يحدّث عمّن لقي ما لم يسمع منه)) (?) .
هذه هي عبارة الشافعي التي نقلت عنه في تعريف التدليس، وهي تحتمل ألاّ تكون تعريفاً شاملاً للتدليس، وإنّما غاية ما فيها أنّها نصّ منه على أخفى نوعي التدليس الذي هو رواية الراوي عمن لقيه وسمع منه ما لم يسمع منه، على ما هو أقلّ خفاء وأكثر ظهورا وهو رواية الراوي عمن ثبت أنّه عاصره ولم يلتق به.
وهذه العبارة هي التي فهم منها الحافظ ابن حجر أنّ الشافعي يشترط اللقاء في التدليس، وأخذ من ذلك ما ذهب إليه من التفريق بين التدليس والمرسل الخفي، فجعل التدليس مخصوصا باللقاء، وجعل رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه من المرسل الخفي، بينما المنقول عن جميع المتقدمين وكلّ من سبق الحافظ ابن حجر يجعل ذلك كلّه ضمن مسمّى التدليس.
فابتداءً من الخطيب ومروراً بابن الصلاح والعراقي وغيرهما لا نكاد نجد خلافاً في أنّ التدليس هو رواية الراوي عن شيخه الذي سمع منه ما لم يسمع منه، ورواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه.