وأمّا من زاد على ذلك، كمن يتكلّم في عثمان وطلحة والزبير وعائشة وغيرهم من أفاضل الصحابة، ويطعن فيهم ويسبّهم، فهذا هو الذي لا يقبل المتقدّمون حديثه غالباً، وهؤلاء هم الرافضة الذين ورد عن الإمام الشافعي أنّه لا تقبل شهادتهم.
وعلى هذا، فالعبرة عند المتقدمين في باب الرواية عن أهل البدع هو اعتبارُ أحوالهم في قوة الدين وظهور الصدق، ولذلك لم يترددوا في قبول رواية الدعاة من الخوارج، وهذا البخاري قد أخرج لعمران بن حطان ثلاثة أحاديث في صحيحه، بعضها في الأصول، رغم أنّه كان داعية إلى بدعته، بل كان رأساً من رؤوس الخوارج.
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: ((العبرة في الرواية بصدق الراوي وأمانته والثقة بدينه وخلقه، كما أنّ المتتبع لأحوال الرواة يرى كثيرا من أهل البدع موضعا للثقة والاطمئنان، وإن رووا ما يوافق رأيهم، ويرى كثيرا منهم لا يُوثَق بأيّ شيء يرويه)) (?) .
وحتى هذا الصدق وهذه الأمانة لا يكونان مبرِّراً لقبول روايته مطلقا، وإنّما يضاف إلى ذلك عند بعضهم إذا كان ما عنده من الحديث ممّا تشتدّ الحاجة إلى أخذه ومعرفته. ولذلك نقل الذهبي عن بعض العلماء أنّ المبتدع الداعية إذا كان صادقا، وعنده سنّة تفرّد بها، فإنّه لا يسوغ ترك تلك السنّة (?) .
فأنت ترى في النهاية أنّ الاعتبار يعود إلى ملاحظة جملة القرائن والأحوال في الراوي والرواية، ومن هنا فإنّنا قد لا نعدّ ما ورد عن المتقدّمين من الأقوال المتباينة اختلافا في القواعد، وإنّما هو في غالبه اختلاف في التطبيق بحسب ما يترجّح من خلال القرائن والملاحظات، ومبلغ علم كلّ واحد منهم بأحوال الرواية والرواة.