فهذا يدلّ على اعتبار قوة الفعل الموجب لسقوط المروءة، فمتى نشأ في نفس العالم أنّ هذا الفعل عارض وليس أصيلا في الراوي قَبِل حديثَه. وإن قوي في نفسه عكسُ ذلك حكم بترك حديثه وردّ روايتَه، تبعا للقرائن والأحوال في ذلك.
6 ـ ومن ذلك أيضا مسألةُ أخذ الأجرة على العلم، فقد وقع فيها الخلافُ بين المتقدمين، وطريقُ الجمع بين أقوالهم هو ما ذكرناه سابقا، والله أعلم.
ولذلك قال الخطيب في هذه المسألة: ((إنما منعوا من ذلك تنزيها للراوي عن سوء الظن به؛ لأن بعض من كان يأخذ الأجر على الرواية عثر على تزيده وادعائه ما لم يسمع لأجل ما كان يُعطى)) (?) .
7 ـ ومن ذلك أيضا الروايةُ عن أهل البدع، فقد اختلفت عبارات المتقدمين في ذلك، وقد تجلّى ذلك في أمرين اثنين:
أـ في تحديد المبتدع وطبيعة البدعة.
ب ـ في طريقة التعامل مع روايات المبتدعة.
فإذا استصحبنا قول الحافظ ابن حجر عن التشيع مثلا عند المتقدمين: ((التشيع في عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان وأن عليا كان مصيبا في حروبه وأن مخالفه مخطئ مع تقديم الشيخين وتفضيلهما، وربما اعتقد بعضهم أن عليا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان معتقد ذلك ورعا دينا صادقا مجتهدا فلا ترد روايته بهذا، لا سيما إن كان غير داعية، وأما التشيع في عرف المتأخرين فهو الرفض المحض، فلا تقبل رواية الرافضي الغالي ولا كرامة)) (?) .
فالتشيع على هذا فيه مجال للاجتهاد وإعمال الرأي، سواء في طبيعة البدعة وحقيقتها، أو في صحّتها وثبوتها في راو من الرواة، فإذا كان الأمر كذلك، وكان الراوي مع ذلك ورعا ديّنا، صادقا، مجتهدا، فما المانع من قبول روايته والاحتجاج بحديثه؟