4 ـ ومن أمثلة ذلك أيضا القاعدة التي ذكرها المتأخرون في الراوي المجهول، وهي أنّه لا يخرجه عن حدّ الجهالة إلاّ أن يروي عنه اثنان فصاعدا.
فقد وجد في تصرفات المتقدمين وكلامهم ما لا ينضبط بهذه القاعدة.
فقد أورد ابن أبي حاتم، قال: سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة: مما يقوّيه؟ ـ يعني: هل هذا يقوّيه ـ. قال: ((إذا كان معروفا بالضعف لم تقوّه روايته عنه، وإذا كان مجهولا نفعه رواية الثقة عنه)) .
وقريب من هذا المعنى ما نقله ابن رجب عن يعقوب بن شيبة، قال: قلت ليحيى بن معين: متى يكون الرجل معروفا، إذا روى عنه كم؟. قال: إذا روى عن الرجل مثل ابن سيرين والشعبي. وهؤلاء أهل العلم، فهو غير مجهول. قلت: فإذا روى عن الرجل مثل سماك بن حرب وأبي إسحاق؟. قال: هؤلاء يروون عن مجهولين.
ثمّ علّق ابن رجب على هذا بقوله: ((وهذا تفصيل حسن، وهو يخالف إطلاق محمد بن يحيى الذهلي الذي تبعه عليه المتأخرون: أنّه لا يخرج الرجل من الجهالة إلاّ برواية رجلين فصاعدا عنه)) (?) .
5 ـ ومن ذلك ما قاله الخطيب البغدادي عن منهج المتقدمين في اعتبار الضابط الذي يقدح في مروءة الراوي ويصير بذلك مجروحا مردود الرواية. قال: ((والذي عندنا في هذا الباب ردُّ خبرِ فاعلي المباحات إلى العالم والعمل في ذلك بما يقوى في نفسه. فإن غلب على ظنه من أفعال مرتكب المباح المسقط للمروءة أنه مطبوع على فعل ذلك والتساهل به، مع كونه ممن لا يحمل نفسه على الكذب في خبره وشهادته بل يرى إعظام ذلك وتحريمه والتنزه عنه قَبِل خبرَه. وإن ضعفت هذه الحال في نفس العالِم واتهمه عندها وجب عليه تركُ العمل بخبره وردُّ شهادته)) (?) .