ومن هنا يتبيّن خطأ من يعمد إلى الحكم على ضعف حديث بناء على كونه جاء من طريق واحد، فإنّ للعلماء في ذلك مناهج، ولهم نظرات تقتضي تحسين الحديث ـ ولو جاء من طريق واحد ـ إذا دلّت جملة من القرائن على ضبط راويه، أو عضّده من النصوص العامّة ما يوجب قبوله والاحتجاج به.
3 ـ ومن الأمثلة على ذلك أيضا أنّ بعض المصطلحات التي تواضع عليها المتأخرون وجعلوها تدلّ على معنى معيّن محدّد لم تكن كذلك عند المتقدّمين، بل كانت أوسع وأشمل.
فمن ذلك مثلا مصطلح الثقة الذي استقرّ عند المتأخرين على توثيق الراوي، كان يرد عند المتقدّمين مقرونا بما يدلّ على الضعف أو الضعف الشديد.
فمن ذلك ما قاله يعقوب بن شيبة في جملة من الرواة، منهم مثلا: عبد الرحمن بن زياد بن أنعُم، فقد قال فيه: ((ضعيف الحديث وهو ثقة صدوق رجل صالح)) (?) . ومنهم أيضا: الربيع بن صبيح، قال فيه: ((صالح صدوق ثقة ضعيف جدا)) (?) . وأمثلة أخرى مذكورة في مظانها.
وهذا يدلّ على أنّ لفظ الثقة لم يكن اصطلاحا يراد به دائما ما استقرّ عليه معنى الثقة عند المتأخرين، بل هو يستعمل عندهم استعمالا واسعا، وقد يراد به جانب الصلاح في الراوي دون المعنى المستقر في اصطلاح المتأخرين.
وقد ذكر الإمام المحقق المعلّمي اليماني جملة من الرواة الذين جمع أهل الجرح والتعديل من المتقدّمين في حقّهم بين لفظ الثقة ولفظ من ألفاظ الجرح على نسق واحد وفي جملة واحدة (?) .
ومن هنا يظهر ما يمكن أن يقع من الخطأ في تحميل ألفاظ المتقدّمين ما لا تحتمل عندما نحاكمها إلى قواعد المصطلح عند المتأخرين، فيجب عند ذلك النظر في القرائن والأحوال، وعدم الاكتفاء بنقل آراء المتقدّمين بعيدا عن الجوّ الذي قيلت فيه والمعاني التي أريدت بها.