لقد قالوا عن شعبة: إنّه لو جمع له الرواة كلّهم على صعيد واحد لسمّى كلَّ راو باسمه واسم أبيه ونسبته وما فيه من جرح أو تعديل على وجه الاستيعاب والتفصيل. فكيف يتأتّى ويتسنّى لمن يأتي بعدهم بسنين أو قرون أن يستدرك عليهم في أمر يحتاج إليهم في نقل تفاصيله؟
2 ـ المقارنة وإمعان النظر ودقّة ملاحظة الأسانيد لتحديد موضع العلّة القادحة وتمييز صحيح الروايات من سقيمها، وتبيّن صدق الراوي من كذبه.
انظر إلى هذه القصة العجيبة لتتبيّن عظمة هؤلاء القوم ومبلغ حرصهم وشدّة ملاحظاتهم ودقّة أنظارهم وكيف أنّهم لم يكونوا يكتفون من الراوي بأحواله الظاهرة:
قال أبو العباس عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الدَّوْرَقي: كنا نختلف إلى إبراهيم بن نصر: ابن أبي الليث سنة ست عشرة ومئتين، أنا وأبي: أحمد ويحيى بن معين ومحمد بن نوح وأحمد بن حنبل، في غير مجلس، نسمع منه تفسير الأشجعي ـ عبيد الله بن عبيد الرحمن الكوفي، المتوفى سنة: 234هـ ـ، فكان يقرأه علينا من صحيفة كبيرة.
فأوّل من فطن له ـ أي أنّه كذاب ـ أبي، فقال: يا أبا إسحاق، هذه الصحيفة كأنّها أصل الأشجعي؟ قال: نعم، كانت له نسختان فوهب لي نسخة، فسكت أبي.
فلما خرجنا من عنده قال لي أبي: أي بنيّ، ذهب عناؤنا إلى هذا الشيخ باطلا، الأشجعي كان رجلا فقيرا وكان يُوصَل، وقد رأيناه وسمعنا منه، من أين كان يمكنه أن يكون له نسختان؟! فلا تقل شيئا واسكت. فلم يزل أمره مستورا حتى حدّث بحديث أبي الزبير عن جابر في الرؤية، فكذّبه يحيى بن معين، فقال:» كذاب خبيث يسرق حديث الناس، لا حفظه الله)) (?) .
هذه خلاصة القصّة. والمقصود الذي ظهر بعد ذلك أنّ إبراهيم بن أبي الليث لم يسمع من الأشجعي وإنّما عمد إلى نسخته فاشتراها من ورثته، ثمّ صار يحدّث منها، فافتضح.
وأخبارهم في هذا مشهورة وحكاياتهم منشورة.