المتقدّمون في اصطلاح علماء الحديث هم الذين عاشوا القرنَ الثالث وجزءاً من القرن الرابع الهجري، وبالرّغم من أنّ الإمام الذهبي حدَّ عصرَهم برأس القرن الثالث (?) ، إلاّ أنّه يمكن أن يكون الحدّ بعدَ ذلك، على اعتبار أنّه لا يمكن وضعُ حدٍّ حقيقي لذلك، ولكن يمكن أن يقال إنّ القرن الرابع جمع في سنواته الأولى بين المتقدّمين والمتأخرين، وكلّما اقتربنا من نهاية القرن الرابع بدأ هؤلاء الأعلام من المتقدّمين في الانقراض. وممّا يدلّ على ذلك أنّ الإمام الذهبي نفسَه أدرج الإسماعيليَ صاحبَ المستخرج على صحيح البخاري، المتوفى سنة 371هـ ضمن المتقدّمين، فقال: ((صنف (يعني الإسماعيلي) مسندَ عمر رضي الله عنه، طالعته وعلقت منه وانبهرت بحفظ هذا الإمام، وجزمت بأن المتأخرين على إياسٍ من أن يلحقوا المتقدمين)) (?) .
ويكفي أن نحدّد بعضَ أسماء هؤلاء المتقدّمين لنعرف جميعا عن أيّ فحول وجهابذة نتكلّم، وعن أي جبال وعمالقة نتحدّث، إنّهم أمثال شعبةَ ويحيى بنِ سعيد القطان وابنِ مهدي وأحمدَ وابنِ المديني وابنِ معين وابنِ راهويَة والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم والنسائي، وهكذا إلى زمن الدارقطني والخليلي والبيهقي وغيرهم من الجبال الذين حفظ الله بهم السنّة وأعزّ بهم الدين وقمع بهم المنتحلين والمبطلين والغالين.
وأمّا المتأخرون فهم الذين جاؤوا بعد ذلك، أي عندما استقرّت كثير من العلوم في الكتب، وآل الأمرُ إلى الاعتماد عليها، وانتهى عصرُ الرواية، ويمكن أن نذكر منهم: القاضي عياضا، وابنَ تيمية، وابنَ كثير، وعبد الغني، والذهبيَّ، وابنَ الصلاح، وابنَ الحاجب، والنوويَ، وابنَ عبد الهادي، وابنَ القطان الفاسي، وضياءَ الدين المقدسي، وزكيَ الدين المنذري، وشرفَ الدين الدمياطي، وتقيَ الدين السبكي، وابنَ دقيق العيد، والمزي، ثم من جاء بعدهم.
الملامح العامة للمنهجين: