إنّ كلّ من يتعمّق في دراسة كتب الحديث اليوم تنشأ في نفسه أسئلةٌ كثيرة قد يملك الشجاعةَ أحيانا فيحدّثُ بها بعض أقرانه، وقد يطوي في كثير من الأحيان عليها قلبَه وعقلَه ويسكتُ رضا بالواقع، وخوفاً مما قد يجرّه عليه ذلك من ألسنة حادة، أو لا يجدُ في نفسه القدرةَ للاستمرار في ذلك البحث والتنقيب.
وبالرّغم من أنّ هذه الأسئلةَ والإشاراتِ ليست جديدةً، حيث ورد بعضُها أو كثيرٌ منها في كتب علماء الحديث المحققين كابن حجر والصنعاني والمُعَلِّمي وغيرِهم، إلاّ أنّ استمرار التدريس بمنهجية محددة من خلال كتب محددة، لم يسمح لهذه الأسئلة أن تبرز وتتبلور في أذهان الكثير من العلماء وطلاب العلم.
ولعلّ ما يحاوله بعضُ إخواننا اليوم من التفكير بصوت مرتفع في هذه المسألة ـ من خلال التأليف أو الكتابة في المجلات المتخصصة ـ هو البداية الصحيحة على هذا الطريق الطويل. وإذا حَسُن الظنُّ بين أهل هذا العلم وأصغى كلّ واحد منا للآخر دون استباقٍ إلى استصدار الأحكام، فسيكون لهذا النقاش أثرٌ كبيرٌ في تجديد وتطوير هذا العلم وإجابةٌ على كثير من الأسئلة التي تدور في رؤوس العلماء وطلاب العلم على حدّ سواء.
ولتجلية هذا الأمر وتوضيحه يحسن بنا أن نوضح أمرين اثنين يشكلّ مجموعهما صلبَ هذا الموضوع، وهما:
1 ـ ما المراد بالمتقدّمين والمتأخرين؟
2 ـ ما هي الملامح العامة التي يمكن ملاحظتُها للتمييز بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين، وذكر بعض الأمثلة التي يظهر فيها هذا الاختلاف بين المنهجين؟
المتقدّمون والمتأخرون: