كذلك المصطلحات التي تشكل نقاطا جوهرية في مسائل علوم الحديث تغيرت في استعمال المتأخرين؛ كالصحيح، والحسن، والمعلول، والشاذ، والمنكر، والمحفوظ، والمعروف، وغيرها، فإنهم ربطوا معانيها بأحوال الرواة؛ فالصحيح عندهم لا يطلق إلا على مرويات الثقات أو الصدوق، والمعلول والشاذ مقيدان أيضا بها، والمنكر لا يطلق إلا فيما رواه الضعيف مخالفا للثقة، بينما المحدثون النقاد في عصر الرواية لم يتقيدوا بذلك؛ بل كانوا يطلقونها على مرويات الثقات والضعفاء في حالة ما إذا أصابوا فيها.
وهذه الأمور من أهم فوائد ربط منهج المحدثين بمبادئ مصطلحات الحديث وتعريفاتها.
وأما القواعد التي تتصل بضبط الكتب وكتابتها وروايتها، ومقابلة النسخة الفرعية بالأصل، وحلقات السماع والطباق، وما استخدِم فيها من المصطلحات فلم تظهر بصورتها الكاملة إلا في عصر ما بعد الرواية.
أما المجال الثاني للتفاوت المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين - وهو الحكم على الحديث- فإذا كان المتأخرون عموما يعتمدون الأسانيد وأحوال رواتها في الحكم على الحديث، ويفصلون بينهما، ويجعلون الأحكام تابعة لأحوال الرواة، فإن المتقدمين النقاد يعتمدون فيه على مدى خلو الحديث من شذوذ وعلة، وإذا حال الأمر دون معرفة ذلك يكون ظاهر السند وأحوال الرواة هو المعول عليه في التصحيح والتضعيف.
يقول ابن دقيق العيد واصفا منهج الفقهاء والأصوليين المتأخرين:
((ومداره (يعني الصحيح) بمقتضى أصول الفقهاء والأصوليين على صفة عدالة الراوي في الأفعال مع التيقظ، العدالة المشترطة في قبول الشهادة، على ما قرر في الفقه، فمن لم يقبل المرسل منهم زاد في ذلك أن يكون مسندا)) (?) .