كما بينه أيضا في شرح الإلمام: ((إن لكل من أئمة الفقه والحديث طريقا غير طريق الآخر، فإن الذي تقتضيه قواعد الأصول والفقه أن العمدة في تصحيح الحديث عدالة الراوي وجزمه بالرواية، ونظرهم يميل إلى اعتبار التجويز الذي يمكن معه صدق الراوي وعدم غلطه، فمتى حصل ذلك، وجاز ألا يكون غلطا، وأمكن الجمع بين روايته ورواية من خالفه بوجه من الوجوه الجائزة، لم يترك حديثه)) .
وقال الصنعاني معقبا عليه:
((وهو صريح في اختلاف الاصطلاحين في مسمى الصحيح من الحديث كما قررناه)) (?) .
وهذا التباين المنهجي في التصحيح والتضعيف متفق عليه بين الأئمة.
لذلك فإن معظم المتأخرين ممن تكلم في الحديث كان يقول: ((إسناده صحيح)) ،وقلما يقول: ((حديث صحيح)) ، بخلاف النقاد القدامى، فإنهم يقولون: ((حديث صحيح)) وبين القولين فرق واضح، إذ معنى الأول: رواته ثقات، وظاهر السند متصل، ومعنى الثاني أن الراوي لم يخطئ في نقل الحديث عمن فوقه.
وأنت إذا تتبعت كتاب (الأحاديث المختارة) للحافظ المقدسي - على سبيل المثال - وجدته لا يكاد يصحح الحديث إلا بقوله: (إسناد صحيح) ، ولا يقول (حديث صحيح) . والباحث المعاصر لا يفرق بينهما، ويجعل تصحيح المتأخرين مثل تصحيح المتقدمين النقاد، بل يرد به على النقاد لغروره بظاهر السند.