أما (المحدث) فمصطلح قديم، لكن تغير معناه في عصر ما بعد الرواية، وصار المحدث لقبا خاصا بمن اشتغل بالحديث رواية ودراية، واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره، وتميز في ذلك حتى عرف فيه خطه، واشتهر فيه ضبطه، وقيل: ((المحدث من تحمل الحديث رواية واعتنى به دراية)) ، وقيل غير ذلك من المعاني، غير أن ذلك كله يفيد معنى واحدا مختلفا تماما عن معنى مصطلح (المحدث) في عصر الرواية، وهو كل من يهتم بالأحاديث سماعا ورواية وكتابة - سواء أكانت له دراية أم لا، سواء كان متقنا ضابطا لما يرويه أم لا - ويتجلى ذلك من خلال تتبع ألفاظ الجرح والتعديل.
كذلك كل من مصطلحي (الحافظ) و (الحجة) ، فقد استحدث معناهما حسب العرف الجديد في عصر ما بعد الرواية؛ فصار معنى (الحافظ) من توسع في الحديث وفنونه، بحيث يكون ما يعرفه من الأحاديث وعللها أكثر مما لا يعرفه. وقيل غير ذلك من المعاني، لكن لم يكن مصطلح (الحافظ) في عصر الرواية معهودا بشيء مما ذكر من المعاني، بل يطلق على الثقة والضعيف، والمحدث والناقد، ودون تحديد عدد الأحاديث التي ينبغي حفظها لِيُعَدَّ الراوي حافظا.
كما أن كلمة (الحجة) أصبحت في عصر ما بعد الرواية لقبا خاصا بالحافظ الذي وعى أكثر من مائة ألف، وأصبح ما يحيط به ثلاث مائة ألف حديث مسندة، وأما في عصر الرواية فلم يشترط فيه ذلك، فكل من كان متميزا بالإتقان والضبط وندرة الخطأ فيما يرويه يعد حجة، سواء أحفظ ذلك العدد من الأحاديث أم لا، وسواء أكان فقيها أم لا، وسواء اعتمد على الحفظ أم على الكتاب. وتعد كلمة (الثقة) مرادفة لكلمة (الحجة) .