لذلك فكتاب رياض الصالحين للإمام النووي - مثلا - لا يعد مصدرا أصيلا في الحديث، لأنه مجرد أحاديث مختارة من كتب المتقدمين، ولا يعد ذلك طعنا في الإمام النووي، أما كتاب المسند للإمام أحمد - مثلا - فإنه يعد أصيلا في الحديث ويعتمد في التخريج، وهذا التفاوت يكون طبيعيا إذا تأملنا ما ورد في سياق كلام البيهقي، وتكمن فائدة الفصل بينهما في ضرورة توثيق المعلومات وتحقيقها، وذلك بإعادة النظر فيما يشكل مصدرا مساعدا، ومقارنته مع مصدره الأصيل؛ ومن لا يفرق بينهما يجهل أهمية عرض الفرع على الأصل، بل يجعلهما أصلا، وبالتالي لا ينتبه إلى آثار ذلك في تكوينه وتفكيره.
الآثار المترتبة على هذا التفاوت المنهجي بين الأئمة:
هذا التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين في طريقة نقل الحديث وروايته أدى إلى استخدام المتأخرين مصطلحات جديدة، أو توسيع معانيها بحيث يتناسب مع أعرافهم العلمية في طريقة التلقي والتحمل؛ فمصطلح المسند (بكسر النون) و (الحاكم) و (طباق السماعات) ، و (الحافظ) ، و (المحدث) ، و (الحجة) تعد أمثلة لذلك.
أما المسنِد - بكسر النون - فمصطلح جديد لم يطلق في عصر الرواية، والمصطلح المشهور سابقا في عصر الرواية هو ((الراوي)) ، ولم يطلق مصطلح ((المسنِد)) إلا في عصر ما بعد الرواية، ليكون معناه من يروي الحديث بإسناده في الوقت الذي انقطع فيه الإسناد والرواية المباشرة، يقال: ((فلان مسنِد)) إذا كان متميزا برواية الأحاديث في عصر ما بعد الرواية، دون أن يطلق عليه (راوي الحديث) ، وذلك للفصل بين عصرين مختلفين: ((عصر الرواية)) و ((عصر ما بعد الرواية)) .
وكذلك مصطلح (الحاكم) جعله المحدثون في عصر ما بعد الرواية لقبا للمحدث الذي أحاط علما بجميع الأحاديث حتى لا يفوته منها إلا اليسير. وهذا المصطلح ليس له وجود في لغة المحدثين النقاد، لا سيما صيغ الجرح والتعديل.