- أين هو في ثناء المتأخر منهم على المتقدّم في علمه واطلاعه ودقّة أحكامه؟ كما فعل ابن أبي حاتم في (تقدمة الجرح والتعديل) ، التي عقد فيها أبواباً لبيان عظيم مواقع الأئمة في النقد، ينقل فيها نماذج من أحكامهم على الأحاديث والرواة على وَجْه الإجلال والتعظيم لهم. وهم أئمةٌ مختلفةٌ أعصارهم، متباينةٌ طبقاتهم. ولم يقل مَرّةً واحدة: إن منهج فلان غير مقبول، أو يجب علينا أن ننتبه إلى منهجه الخاص في هذه المسائل أو تلك.
وفعل مثلَ ابن أبي حاتم جماعةٌ: كابن حبان في مقدّمة المجروحين، وابن عدي في مقدّمة الكامل.
- وكيف يقبل بعضُهم من بعضٍ الجرحَ والتعديلَ في الأعمّ الأغلب، ولا يختلفون إلا في جزئيات المسائل؟ أولو كان منهج النقد بينهم مختلفاً كانوا سيقبلون من بعضهم أحكامَهم في الرواة؟! أوليس الحكم على الراوي مرتبطاً كل الارتباط بالحكم على حديثه؟! والحكم على حديثه مرتبطاً بالحكم عليه؟! أين اختلاف المناهج في هذه المسألة؟!!!
- أولم يكونوا يتذاكرون العلم فيما بينهم، ويتناظرون في الأحاديث والرواة، ويفهم بعضهم كلام بعض، ولم يُنقل لنا قطّ أنه قال أحدهم للآخر: منهجك ليس هو منهجي، أو أنهم كانوا يختلفون في غير المسائل الجزئية.
- أولم يعرض البخاري صحيحه على بعض حفاظ زمنه؟ أولم يفعل ذلك مسلم؟ أولم يجمع الترمذي أقوال البخاري وأبي زرعة والدارمي في التعليل والجرح والتعديل في كتاب واحد؟ أولم يفعل نحو ذلك وأكثر منه ابن أبي حاتم في كتابه (العلل) و (الجرح والتعديل) و (المراسيل) ؟ هل كان أولئك القوم مختلفي المنهج أم متفقين؟ إن كانوا مختلفين، كيف تسنَّى أن يؤخذ بأقوالهم جميعاً، وأن تُساق مساقاً واحداً؟ وإن كان هؤلاء هم الذين اتفقوا، وأن المخالفين لهم سواهم، قلنا: فمن القوم بعد هؤلاء، يا رجل؟!!! هم القوم لا يشقى بهم جليسهم.