وكل دعوى عن اختلافِ المنهج، خلال أزمنة أهل المنهج، وبين أهله دعوى باطلة، بعيدةٌ كل البُعْد عن فقه المسألة، وعن التدبّر في نشأة المنهج ودواعيه وأطواره.
وكيف يُتصوّرُ حصول اختلافٍ في المنهج، والمنهج إنما نشأ لحماية المنقولات من آفتي الخطأ والكذب؟! هل هناك من يقبل الخطأ؟! هل هناك من يقبل الكذب؟! هل هناك من يقبل ما يغلب على الظن أنه خطأ؟! هل هناك من يقبل ما يغلب على الظنّ أنه كذب؟!
أمّا إن ضربتَ أمثلةً للمسائل التي ادُّعي فيها الخلاف في المنهج: كالمرسل، والرواية عن أهل البدع، وزيادة الثقة، واشتراط عدم الشذوذ، واشتراط عدم العلّة ... ونحوها من المسائل التي حُكي فيها الخلاف.
فإني أقول لك: لقد درسنا هذه المسائل وغيرها مسألةً مسألةً، فتبيّن لنا عدمُ صحّة وجود ذلك الخلاف المدَّعى، والذي نُقِل في أكثره أيضاً الإجماعُ، وإن اشتهر عند المتأخرين القول بالخلاف!!
ثم إن الخلاف المنهجيَّ لا يخفى، وهو أولى بالظهور والوضوح من الاختلاف في آحاد المسائل الجزئيّة، وأولى بالنقل، وأحرى بأن تقوم له المعارك العلميّة، وبأن تُصنَّفَ فيه الردودُ والردودُ على الردود ... هذا هو المعتاد من سُنّه العلوم جميعاً؛ لأنه اختلافٌ منهجيٌّ ينبني عليه اختلافٌ عظيم في كثيرٍ من المسائل الجزئيّة.
وبَعْدُ ... فأين هو هذا الاختلاف المنهجيّ في الصُّور التالية:
- أين هو في التوافق العجيب بين نقاد الحديث، من زمن شعبة والقطان وابن مهدي، إلى زمن البخاري ومسلم وأبي حاتم ومن بعدهم: في التصحيح والتضعيف والتعليل والجرح والتعديل؟ هل وجدتم أحداً منهم ردّ حكماً من آخر بدعوى اختلاف المنهج؟