إذ إن الجوابَ قد تقدّم، وهو أن منهج نقد السنة يجب أن يؤخذ عمّن أسّسه وبناه حتى اكتمل، وهؤلاء هم أهل ذلك المنهج، الذين يُحتكم إليهم، ويُمدح من سار على منهجهم، ويُذمّ من خالفهم (?) .
وهنا قد ينقدح سؤال، كنت قد أجبت عنه سابقاً، لكنه يحتاج إلى زيادة بيان؛ وهو: لمَ لمْ تقتصر على العلماء الذين عاصروا اكتمال المنهج؟ لمَ أدخلتَ معهم من سبقهم؟ مع أن من سبقهم لم يكن المنهج في زمنهم مكتملاً!! ألا يُطرِّق ذلك احتمالَ تَعَدُّدِ المناهج بسبب اختلاف أزمنة أهل المنهج الذين تُحيل إليهم، وبسبب اختلاف أطوار العلم الذي تُرجعنا إليه؟!
والجواب:
أوّلاً: إنه ليس من حقّي أن أقتصر من عند نفسي على عصرٍ دون عصر، لقد بَنَيْتُ ما قلتُه على الدرس العميق لمراحل تطوّر العلم، كما مَرّ بكم آنفاً. فلست بالذي يختار، وإنما سنةُ التطوّر والارتقاء هي التي تختار.
ثانياً: إن هذا السائل لم ينتبه إلى ما كنتُ قررتُه سابقاً، من أن انتقال منهج النقد من طور إلى طور لم يكن لنقص في الطور الأول، وإنما لتجدّد أمور اقتضت الإضافة إليه فقط. فكل الذي كان يحصل خلال انتقال المنهج من طور إلى طور، هو أن الطور الثاني يضيفُ إلى الطور الأول ما يُمَكّنُهُ من مُوَاجهةِ الأخطار المستحدثة فيه. فقواعد المنهج خلال الطور الأول لم تزل معمولاً بها خلال المنهج الثاني، وانضافت إليها قواعدُ جديدةٌ.