فيها اتهامات ممجوجة، وهي من السخف بحيث أَنَّ ذكرها في مثل هذا العصر ليس له من أثر وإنما يدل على طبيعة العلاقات المنفعلة والمتسمة بالطوابع الذاتية في تلك الدراسات الاستشراقية الأولى.
والبعض يرى أن أوروبا كانت تخشى من غزو إسلامي فكري في تلك الفترة، لأن المسلمين نقلوا الفكر اليوناني إلى أوروبا - أقصد عن طريق حفظ الكتب اليونانية التي ترجمت إلى اللغات الأوروبية عن العربية. هذا الجانب لا يهمنا بوصفنا الإسلامي، ولكنه حدث وحدث معه أَنْ ذهب أوروبيون ربما لطلب مثل هذه العلوم ابتداءً، ولكنهم احتكّوا ببيئة إسلامية في الأندلس، وكان البابوات يرصدون هذه الحركة، ويرون أنها خطرة على أوروبا، وأنها تمثل غزوًا حضاريًا فكريًا إسلاميًا. ومن هنا أنشئت مراكز الدراسات الاستشراقية المختلفة في أوروبا بإذن من البابوات، وبتنسيق المجالس الكنسية، ووضعت في كمبردج وأوكسفورد وفي مراكز أخرى مثل ألمانيا.
كانت هناك قضية الصراع الفكري الديني واستمر هذا التيار إلى أَنْ ظهرت المرحلة الجديدة المقترنة بالتوسع الاستعماري، عندئذ صار من مهام الحكومات أَنْ تُسَخِّرَ عدداً كبيراً من الباحثين ليكتبوا عن الإسلام والمسلمين باللغات الأوروبية، إذن الخطاب لم يكن مُوَجَّهًا ابتداءً لناطقى العربية أو اللغات الشرقية وإلا لكانت الكتابة باللغة العربية، بل كان مُوَجَّهًا لأوروبا، أنه هذه هي صورة الإسلام فلا تتحولوا إليه، وإذا كانت هذه هى صورة المسلمين فلا تلوموننا إذا اقتحمنا ديارهم، ولا تلوموننا إذا استنزفنا خيراتهم، ولا تلوموننا إذا تعصبنا ضدهم، لأن هؤلاء القوم يتسمون بخصائص عقلية وجنسية وثقافية لا تمكنهم من النهوض بأنفسهم، وهم بحاجة إلى عوننا والدور الذي سنقوم به والذي سنحدثه إنما هو لصالح الحضارة الإنسانية. ويستمر هذا الخطاب عبر قرن من الزمان وهوالقرن التاسع عشر، وهو القرن الذي اشتد فيه الاستشراق واشتدت فيه مؤسساته وأوزرت من قبل الحكومات المختلفة الأوروبية.